فإن قال قائل: مثل هذه الاعتقادات الركيكة، والحديث الفارغ، كيف يخفى على من يتبعهم؟ ونحن نرى أتباعهم خلقا كثيرا؟ فالجواب: أن أتباعهم أصناف: (١) فمنهم قوم ضعفت عقولهم، وقلت بصائرهم، وغلبت عليهم البلادة والبله، ولم يعرفوا شيئا من العلوم، كأهل السواد والأكراد وجفاة الأعاجم وسفهاء الأحداث، فلا يستبعد ضلال هؤلاء، فقد كان خلق ينحتون الأصنام ويعبدونها. (٢) ومن أتباعهم طائفة انقطعت دولة أسلافهم بدولة الإسلام، كأبناء الأكاسرة، والدهاقين وأولاد المجوس، فهؤلاء موتورون قد استكن الحقد في صدورهم، فهو كالداء الدفين فإذا حركته تخاييل المبطلين اشتعلت نيرانه. (٣) ومن أتباعهم قوم لهم تطلع إلى التسلط والاستيلاء ولكن الزمان لا يساعدهم، فإذا رأوا طريق الظفر بمقاصدهم سارعوا. (٤) ومن أتباعهم قوم جبلوا على حب التميز عن العوام، فزعموا أنهم يطلبون الحقائق، وأن أكثر الخلق كالبهائم، وكل ذلك لحب النادر الغريب. (٥) ومن أتباعهم ملحدة الفلاسفة والثنوية الذين اعتقدوا الشرائع نواميس مؤلفة، والمعجزات مخاريق مزخرفة، فإذا رأوا من يعطيهم شيئا من أغراضهم مالوا إليه. (٦) ومن أتباعهم قوم مالوا إلى عاجل اللذات، ولم يكن لهم علم ولا دين، فإذا صادفوا من يرفع عنهم الحجر مالوا إليه، على أن هؤلاء القوم لا يكشفون أمرهم إلا بالتدرج على قدر طمعهم في الشخص. وقد نبغ فيهم قوم فأظهروا إمامة محمد بن الحنفية وقالوا: إن روح محمد انتقلت إليه، ثم انتقلت منه إلى أبي مسلم صاحب الدعوة، ثم إلى المهدي، ثم إلى رجل يعرف بابن القصري ثم خمدت نارهم. ثم نبغ لهم في أيام المأمون رجل فاحتال فلم تنفذ حيلته، ثم تناصروا في أيام المعتصم، وكاتبوا الإفشين – وهو رئيس الأعاجم - فمال إليهم، واجتمعوا مع بابك ثم زاد جمعهم على الثلاثمائة ألف، فقتل المعتصم منهم ستين ألفا وقتل الإفشين أيضا، ثم ركدت دولتهم، ثم نبغ منهم جماعة وفيهم رجل من ولد بهرام جور، وقصدوا إبطال الإسلام، ورد الدولة الفارسية، وأخذوا يحتالون في تضعيف قلوب المؤمنين، وأظهروا مذهب الإمامية، وبعضهم مذهب الفلاسفة. وجعل لهم رأس يعرف بعبد الله بن ميمون بن عمرو، ويقال ابن ديصان، القداح الأهوازي. وكان مشعبذا ممخرقا، وكان معظم مخرقته بإظهار الزهد والورع، وأن الأرض تطوى له. وكان يبعث خواص أصحابه إلى الأطراف معهم طير ويأمرهم أن يكتبوا له بالأخبار عن الأباعد، ثم يحدث الناس بذلك، فيقوى شبههم. وكانوا يقولون: إن المتقدمين منهم يستخلفون عند الموت، وكلهم خلفاء محمد بن إسماعيل بن جعفر الطالبي، وإن من الدعاة إلى الإمام معد بن تميم وابنه إسماعيل، وهم المتغلبون على بلاد المغرب. ومن استجاب لهم عرفوه أنه إن عمل ما يرضيهم صار إماما ونبيا، وأنه يرتقي المبتدئ منهم إلى الدعوة ثم إلى أن يكون حجة، ثم إلى الإمامة، ثم يلحق مرتبة الرسل، ثم يتحد بالرب فيصير ربّا. ولا يجوز لأحد أن يحجب امرأته عن إخوانه.