للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف]

إن الحق أبلج, والباطل لجلج, فالحق هو الحق في كل زمان وكل مكان لا يختلف ولا يتغير ولا يتعدد بل هو واحد وما ذاك إلا لوحدة المصدر الذي يستقى منه, إنه من لدن حكيم خبير. لذلك نجد النصوص حين تذكر الصراط تذكره بصيغة الإفراد لأنه واحد كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:١٥٣] (١).

وبلزوم هذا الصراط تتحقق الجماعة ويلتئم شمل الأمة وبمخالفة هذا الصراط والبعد عنه تحدث الفرقة ويجانب المرء الحق والصواب ويرتكب الباطل, هذا الباطل المتعدد المتلون والذي حذرنا الله تعالى منه. قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآية "إنما وحد سبيله لأن الحق واحد ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها (٢).

نعم إنها السبل الضلالات المحدثات إنها متعددة متفرقة وهذا حال أهل الفرقة: من حاد عن الصراط المستقيم فهم في فرقة واختلاف وتنازع وشقاق كل واحد منهم يأخذ شقا وجانبا غير جانب وشق الآخر.

ولقد وصفهم الله عز وجل بقوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: ١٧٦].

وقال سبحانه: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: ١٣٧]

وقال عز وجل عن الكافرين: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: ٥٣].ففي الآيات السابقة يصف الله تعالى حال المخالفين للحق المفارقين له وأنهم في شقاق: شقاق مع الحق وشقاق مع القائمين به والداعين إليه والشقاق في هذه الآيات يأتي بمعان ثلاث (٣):١ـ الشقاق بمعنى الخلاف والمعاداة والمنازعة وأصله من الشق وهو الجانب فكأن كل واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه (٤) وهذا حال المجانبين للحق المفارقين له من أهل الكفر من الأديان والملل ومن أهل البدع أصحاب الفرقة فهم في شقاق في خلاف ومعاداة ومنازعة للحق وقد وصفهم الله تعالى بقوله: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: ٢]. أي: الخلاف والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووصف أهل الكتاب من اليهود والنصارى بقوله: فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة: ١٣٧] أي إنهم إنما هم في عصيان وفراق وحرب لله ولرسوله (٥).

ووصف أهل البدع أصحاب القلوب المريضة بأنهم واقعون في الشقاق فقال سبحانه: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: ٥٣]. فيجعل الله عز وجل ما يلقيه الشيطان فتنة وضلالة (٦)

لطائفتين من الناس هما:

أـ الذين في قلوبهم مرض: الشك والنفاق. ب ـ والقاسية قلوبهم: وهم المشركون فإن قلوبهم لا تلين للحق أبدا ولا ترجع إلى الصواب بحال (٧).


(١) ([٧٣]) ((تفسير الطبري)) (٨/ ٦٥).
(٢) ([٧٤]) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ١٨٢).
(٣) ([٧٥]) انظر ((غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) لنظام الدين الحسن النيسابوري (١/ ٤٤١) بهامش ((تفسير الطبري)).
(٤) ([٧٦]) انظر ((تفسير القرطبي)) (٢/ ٩٧) ((فتح القدير)) للشوكاني (١/ ١٤٧).
(٥) ([٧٧]) انظر ((تفسير الطبري)) (١/ ٤٤٤).
(٦) ([٧٨]) انظر ((فتح القدير)) (٣/ ٤٦٢).
(٧) ([٧٩]) انظر ((فتح القدير)) للشوكاني (٣/ ٤٦٢) ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٢٢٤) ((زاد المسير)) (٥/ ٤٤٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>