للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سجل على هاتين الطائفتين بأنهم ظالمون فقال: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: ٥٣]. أي: عداوة شديدة (١)

فأهل الفرقة في شقاق وعداء للحق وكذلك هم في شقاق فيما بينهم قد تعددت أقوالهم وتناقضت آراؤهم واختلفوا فيما بينهم وهذا دليل على بطلان دعاويهم لأنهم إنما يتبعون السبل. لذلك وصف أهل الكتاب بقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: ١٧٦] ٢ـ المعنى الثاني للشقاق بأنه يأتي بمعنى الشق وهو الصدع (٢) أو الفصل في الشيء (٣) ويطلق على أهل الفرقة وذلك لأنهم فارقوا الجماعة وشقوا عصا الطاعة (٤)

فهم في شقاق بهذا الاعتبار.

٣ـ والمعنى الثالث للشقاق أن يطلق ويراد به المشقة وهي فعل ما يشق ويصعب فكأن كل واحد من الفريقين يحرص على ما يشق على صاحبه ويؤذيه.

وهذا دأب أصحاب الفرقة كما وصفهم سبحانه: لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ [الحشر:١٤]

ولقد وصفهم الله عز وجل بوقوع العداوة والبغضاء فيما بينهم لمخالفتهم بعض ما جاء من الحق قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: ١٤]

ولقد ذكر الله عز وجل ذلك كله تنفيرا من الفرقة وحثا للأمة على الجماعة, لهذا جاء الوعيد الشديد للمفارق للجماعة الخارج عنها يقول سبحانه وتعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: ١١٥]

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام: ١٥٩] ولقد وردت النصوص النبوية تتوعد الخارج عن الجماعة المفارق لها بأشد وعيد (٥) وقد أورد الإمام مسلم عدة أحاديث في (صحيحه) حول هذا الموضوع بوب لها الإمام النووي تحت قوله: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة (٦) وأورد تحتها عدة أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية)) (٧). وقال أيضا عليه السلام: ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية)) (٨) وقال: ((من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) (٩) ويقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: " والله ما فارق رجل الجماعة شبرا إلا فارق الإسلام " (١٠)

فهذا مما توعد الله به أهل الفرقة وما ذاك إلا لسوء فعلهم وفي هذا نهي عن الفرقة وردع عن سلوك سبلها أو السير خلف دعاتها ويتعين حينها لزوم الجماعة والتمسك بها هدانا الله للحق وبصرنا به.

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص١٣٤ - ١٣٨


(١) ([٨٠]) انظر ((فتح القدير)) (٣/ ٤٦٢).
(٢) ([٨١]) انظر ((القاموس المحيط)) (١١٥٩).
(٣) ([٨٢]) انظر ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (٢/ ٤٣٩).
(٤) ([٨٣]) انظر ((تفسير غرائب القرآن)) للنيسابوري (١/ ٤٤١) بهامش ((تفسير الطبري)) ((زاد المسير)) (١/ ١٥١).
(٥) ([٨٤]) ((شرح صحيح مسلم)) (٢/ ٢٣٦).
(٦) ([٨٥]) ((صحيح مسلم)) كتاب الفتن باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين (١٢/ ٢٣٨ نووي).
(٧) ([٨٦]) رواه مسلم (١٨٤٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) ([٨٧]) رواه البخاري (٧٠٥٤) ومسلم (١٨٤٩). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٩) ([٨٨]) رواه مسلم (١٨٥١). من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(١٠) ([٨٩]) انظر ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (١/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>