المطلب الثاني: الخمس في أرباح المكاسب: تقول الآية الكريمة وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ..... [الأنفال:٤١] يقول " فضل بن الحسن الطبرسي " وهو من أكابر علماء الإمامية في القرن السادس الهجري في تفسير هذه الآية الكريمة: " اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس ومن يستحقه على أقوال أحدها ما ذهب إليه أصحابنا وهو أن الخمس يقسم على ستة أسهم سهم لله وسهم للرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهذان السهمان مع سهم ذي القربى للإمام القائم مقام الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسهم ليتامى آل محمد وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم لا يشاركهم في ذلك غيرهم لأن الله سبحانه حرَّم عليهم الصدقات لكونها أوساخ الناس وعوضهم من ذلك بالخمس ..... وقال أصحابنا: إن الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارة وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب ويمكن أن يستدل على ذلك بهذه الآية (١) ... " إن تفسير الغنيمة بالأرباح من الأمور التي لا نجدها إلا عند فقهاء الشيعة فالآية صريحة وواضحة بأن الخمس شرعت في غنائم الحرب وليس في أرباح المكاسب وأظهر دليل قاطع على أن الخمس لم يشرع في أرباح المكاسب هو سيرة النبي الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء من بعده بما فيهم الإمام " علي " وحتى سيرة أئمة الشيعة حيث لم يذكر أرباب السَّيَر الذين كتبوا سيرة النبي الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ودونوا كل صغيرة وكبيرة عن سيرته وأوامره ونواهيه أن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يرسل جباته إلى أسواق المدينة ليستخرج من أموالهم خمس الأرباح مع أن أرباب السير يذكرون حتى أسامي الجباة الذين كان الرسولصلى الله تعالى عليه وآله وسلم يرسلهم لاستخراج الزكاة من أموال المسلمين، وهكذا فإن الذين أرَّخو حياة الخلفاء الراشدين بما فيهم الإمام " علي " لم يذكروا قط أن أحداً منهم كان يطالب الناس بخمس الأرباح أو أنهم أرسلوا جباة لأخذ الخمس، وحياة الإمام " علي " معروفة في الكوفة فلم يحدث قط أن الإمام بعث الجباة إلى أسواق الكوفة ليأخذوا الخمس من الناس أو أنه طلب من عماله في أرجاء البلاد الإسلامية الواسعة التي كانت تحت إمرته أن يأخذوا الخمس من الناس ويرسلونها إلى بيت المال في الكوفة كما أن مؤرخي حياة الأئمة لم يذكروا قط أن الأئمة كانوا يطالبون الناس بالخمس أو أن أحداً قدم إليهم مالاً بهذا الاسم.
وكما قلنا قبل قليل إن هذه البدعة ظهرت في المجتمع الشيعي في أواخر القرن الخامس الهجري فمنذ الغيبة الكبرى إلى أواخر القرن الخامس لا نجد في الكتب الفقهية الشيعية باباً للخمس أو إشارةً إلى شمول الخمس في الغنائم والأرباح معاً، وهذا " محمد بن الحسن الطوسي " من أكابر فقهاء الشيعة في أوائل القرن الخامس ويعتبر مؤسس الحوزة الدينية في النجف لم يذكر في كتبه الفقهية المعروفة شيئاً عن هذا الموضوع مع أنه لم يترك صغيرةً أو كبيرةً من المسائل الفقهية إلا وذكرها في تآليفه الضخمة.
(١) [١٠٦٣٩]- الطبرسي ((مجمع البيان في تفسير القرآن)) (٤/ ٥٤٣)