للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: البعث والمعاد]

عرف الإسماعيلية البعث بأنه فعل الله تعالى من جهة الملائكة المقربين في المبعوث الطبيعي كمالا له ليكون منبعثا الانبعاث الثاني ومعناه هو المعرب عنه بالنفخ المخصوص بالقوة التي هي إفاضة على المفاض عليه الذي كان من قبل خاليا منها فيحيا الحياة الأبدية .. ذلك أن ثم نوعين من البعث:

الأول: هو النفخ الأول ويكون في عالم الطبيعة وينقسم إلى ما يكون بتعليم وإلى ما يكون بتأييد إلهي والذي يكون بتأييد إلهي هو إسراء القوى الإلهية من عالم الملكوت في نفس المبعوث الكائن في عالم الطبيعة وسريانها فيها فيتيسر لها جميع الأمور المتعلقة بالسعادات الأبدية والكمال الثاني وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك بإلقاء الروح حيث يقول رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ...... [غافر: ١٥]، فوضع الدرجات هو القائم بالفعل الذي هو الإلقاء بأمر الله سبحانه والروح هو بركات القدس والملكوت الفائض من أمره الذي هو المبدع الأول والموجود الأول وعلى من يشاء من عباده هم عباده المصطفون الذين كانت أنفسهم في ظلمات الطبيعة خالية وهي فهيا غير مكتسبة فشبه تعالى وتكبر الإسراء والتسريب بالنفخ وذلك من جهة المنصوبين للعناية بموجودات عالم الطبيعة في نفس المبعوث تأثيرا وهو الذي به يصعق من في السموات والأرض ليكون المبعوث في الكمال منبعثا بالفعل الذي يقتضيه كماله.

أما القسم الثاني من النفخ الأول وهو ما يكون بتعليم من جهة من يكون طبيعيا فلكون ما يعلم من جهة المبعوث المرقي إلى درجة الكمال المنبعث الانبعاث الثاني القائم بالتعليم مما يتم فيه البعث ولذلك سمي بعثا وهو: إقامة النعمة على البشر بالمبعوث المؤيد فيكون ما يعلمهم ويدعوهم إليه ثم يقومون به سببا لهم في نيل السعادة في الدنيا وطريقا إلى الفوز بالحياة الأبدية في الأخرى وأمرا يجري مثلا من أنفسهم مجرى النفس النامية التي هي سبب لحصول القوة الحسية فيكون ذلك بعثهم وبالجملة فإن هذا البعث يكون بواسطة المؤدين من الله من الأنبياء والأوصياء والأئمة. والنوع الثاني من البعث: وهو النفخ الثاني الخصوصي بالقيامة عند تكامل الأدوار واستكمال قيام العلم بالفعل حين تتجرد الصورة بكمالها فتسطع فيها أنوار الملكوت (١).

وبتعبير آخر قسم الحامدي البعث إلى نوعين: فالبعث الأول هو بعث الصورة الحاصلة للمستفيد حيث تبعث له العلوم الإلهية والمعارف الربانية. وأما البعث الثاني فهو النقلة إلى حد وبها يصير في عالم ثان وبعث وذلك عند قيام القائم وذلك هو البعث الحقيقي (٢).ويفسر الكرماني الآيات القرآنية التي تتحدث عن البعث وفق ذلك المعتقد فيقول عن قوله تعالى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر: ٦٨] يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [النبأ: ١٨] أن فيهما إشارة إلى صاحب الدور السابع الذي يحصل في الوجود آخر دور حين يبعث في عالم الطبيعة أولا كما يبعث أصحاب الأدوار فيطيعونه أمة بعد أمة وبه يتم الخلق الجديد فينفخ أولا في دار الطبيعة باب الجزاء وفي دار الآخرة ثانيا وهو النفخ الأول فالبعث يتم لصحاب الدور السابع (٣).

المصدر:أصول الإسماعيلية لسليمان بن عبد الله السلومي – ٢/ ٦١٧


(١) انظر ((راحة العقل)) للكرماني) (ص: ٥١١ - ٥١٣).
(٢) ((زهر الحقائق)) للحامدي (ص: ١٧٧).
(٣) انظر ((راحة العقل)) للكرماني (ص: ٥١٤ - ٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>