[المبحث الثالث عشر: فلسطين فتحها عمر ولن يحررها من يتخذ من لعن عمر عقيدة]
تعيش الأمة المسلمة اليوم حروباً ثائرة وشروراً متطايرة، تشتت نظامها، وتشعب التئامها، حروب قذرة، يقودها قوم كفرة فجرة، لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة.
فالأرض المباركة فلسطين الجريحة، تصبح وتمسي تحت مرارة الفادحة وصور المأساة، ومشاهد المعاناة، وصرخات الصغار، وصيحات التعذيب والحصار، ولوعات الثكالى، وآهات اليتامى.
تصبح وتمسي على صفوف الأكفان المتتالية، والجنائز المحملة، والبيوتات المهدمة، والحرمات المنتهكة .. أحداث جسام، تدمي القلوب وتفطر الأكباد، ويقشعر لهولها الفؤاد.
وأرض دجلة والفرات، تشكو إلى الله حالها، فهي بين قطبي الرحي؛ ما بين صليبيين محتلين، ورافضة حاقدين، قد دنست ديارها وهدمت مساجدها وانتهكت حرماتها، واستبيح حماها، ورفعت في رباها رايات الصليب.
أحداث تنادي المسلمين وتستنفرهم، تستصرخهم وتستنصرهم.
فهل من مجيب لهذا النداء؟!
وهل من مغيث لتلك الدماء والأشلاء؟!
أحل الكفر بالإسلام ضيماً ... يطول به على الدين النحيب
فحق ضائع وحمى مباح ... وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلم أمسى سليباً ... ومسلمة لها حرم سليب
وكم من مسجد جعلوه ديراً ... على محرابه نصب الصليب
أمور لو تأملهن طفل ... لثار في مفارقه المشيب
أتسبى المسلمات بكل ثغر ... وعيش المسلمين إذا يطيب
أما لله والإسلام حق ... يدافع عنه شبان وشيب؟
فقل لذوي البصائر حيث كانوا ... أجيبوا الله ويحكمو أجيبوا
في خضم هذه الأحداث الدامية والمآسي المتتالية والفواجع النازلة يتطلع المسلمون لمخرج من هذا الواقع الأليم، ولمنقذ ينتشل الأمة مما هي فيه من ذلة وهوان، ولقائد يقف في وجه الطغيان، ويوقف زحف الأعداء ونزيف الدماء.
وفي مثل هذه الظروف حين يدلهم الخطب وتتوالى المحن، يشتبه الأمر على كثيرين فلا يميزون بين صديق وعدو، فيعظمون من حقه الإذلال ويخفضون من حقه الرفع، وحين ينبلج الصبح وتتضح الأمور يعضون أصابع الندم ولات ساعة مندم.
ولا ننسى قصيدة أحمد شوقي في تبجيل مصطفى كمال أتاتورك التي سماها تكليل أنقرة وعزل الآستانة أي تكليل الكمالية وعزل السلطان والخلافة، عندما ادَّعى أتاتورك الانتصار على اليونان في حربه التمثيلية ضدهم وأطلق أحمد شوقي أبياته المشهورة:
الله أكبر كم في الفتح من عجب ... يا خالد الترك جدد خالد العرب
يوم كبدر فخيل الحق راقصة ... على الصعيد وخيل الله في السحب
ولكن أحمد شوقي أسقط في يده بعد ذلك عندما فوجئ بأن خالد الترك بدلاً من أن يجدد خالد العرب، بدد مجد الترك ومجد العرب.
ومما يزيد الطين بلة أنه في مثل هذه الظروف يصغي الناس لكل ناعق ويتكلم في قضايا الأمة الكبار من ليس أهلاً لذلك فيضلون ويضلون، بل ويسخر الناس من دعاة الحق المستترين بهدي الكتاب والسنة.
ومهما ادلهمت الفتن واختلطت الأمور ونشط دعاة الضلال فإن أهل الحق يجب عليهم أن يصدعوا بالحق وأن يقولوا ما يمليه عليهم دينهم مهما كان اغترار الناس بالباطل ودعاته ومؤيديه.
وقال تعالى: وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: ٥٥].
أي: نخبرك بمعالم التوحيد، ومعالم الرسالة، وأسس العقيدة، ليتبين لك الحق من الباطل والهدى من الضلال.
فلزاماً على كل داعية، وكل عالم وطالب علم أن يوضح للناس المشارب والمذاهب.