للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن ما يجري على أرض فلسطين ولبنان من اعتداء سافر من اليهود، لا يقره شرع ولا عقل، ولا يرضى به ذو ضمير حي، ولكن مع ذلك لابد أن تقال كلمة الحق ويحذر من دعاة الضلال، وممن يرفعون الشعارات البراقة التي يخفون وراءها الحقد الدفين والكفر البواح، مستغلين غياب أهل الحق عن القيام بما يجب عليهم.

ومن الخطأ في الفهم أن يظن ظان أن الإنسان حين يحذر من الرافضة وخطرهم أنه يؤيد اليهود أو يقف في صفهم، أو يرضى بما يحدث على أيديهم من سفك للدماء وأنهم لا يفرقون في حربهم بين طفل وشيخ وامرأة.

وأنه لا يكترث برؤية الشيوخ والنساء والأطفال تتطاير أشلاؤهم وتنتثر دماؤهم.

فهذا فهم خاطئ، لأن الإسلام دين الرحمة وقد حرم على أتباعه حين يخوضون حرباً مع أي عدو لهم أن يقتلوا أو يعتدوا على غير المحاربين. روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلا ولا صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)) (١).وروى أبو داود عن رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: ((انظر علام اجتمع هؤلاء)) فجاء فقال: على امرأة قتيل فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل)) قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلاً فقال: ((قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً)) (٢).

هذه هي تعاليم الإسلام السمحة التي تبين أنه دين الرحمة حتى مع الأعداء.

فكفرهم بالله تعالى لا يحل لنا أن نسفك دماءهم أو نظلمهم أو نعتدي عليهم بأي لون من ألوان الاعتداء، فلا يجوز قتل غير المحاربين المحادين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذين يصدون عن سبيله ويؤذون أهل دينه.

والتحذير من حزب الله ومن الشيعة عموماً واجب على كل من عرف عقيدة التوحيد، وخصوصاً حين يغتر بهم كثير من المسلمين ممن لا يعرفون عقائدهم، وحين يدعون أنهم حماة الإسلام والمدافعون عنه وأنهم يحاربون من أجل عقيدة التوحيد ونصرة الدين، فيلتبس الحق بالباطل، ويغتر بشعاراتهم كثير من الدهماء، وربما أدى الأمر ببعض الجهال إلى تصحيح عقائدهم والثناء عليهم.

وحريٌّ بنا ونحن نعيش في هذا الوضع أن نتذكر أحد علماء الإسلام ممن كان له موقف مشهود مع أحد سلف الرافضة وهو الحاكم العبيدي "المعز" وكيف أن هذا العالم لم يغتر بالشعارات والخطب الرنانة والبطولات المزعومة فقال كلمة الحق ولم يداهن ولو كلفه ذلك حياته.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في ترجمة الحاكم العبيدي المعز، المدعي أنه فاطمي:

وحين نزل الإسكندرية تلقاه وجوه الناس، فخطبهم بها خطبة بليغة ادعى فيها: أنه ينصف المظلوم من الظالم، وافتخر فيه بنسبه، وأن الله قد رحم الأمة بهم، وهو مع ذلك متلبس بالرفض ظاهراً وباطناً.

كما قاله القاضي الباقلاني: إن مذهبهم الكفر المحض، واعتقادهم الرفض، وكذلك أهل دولته ومن أطاعه ونصره ووالاه، قبحهم الله وإياه.

وقد أحضر إلى بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي فقال له المعز: بلغني عنك أنك قلت: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة: ورميت المصريين "أي العبيديين" بسهم.

فقال: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله.

فقال: كيف قلت؟


(١) رواه أبو داود (٢٦١٤)، وقال ابن حزم في ((المحلى)) (٧/ ٢٩٧): " لا يصح"، وقال الألباني في ((ضعيف أبي داود)) (: "ضعيف". لكن لبعضه شاهد من حديث بريدة رضي الله عنه رواه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (٣/ ٢٢٤) وقال: "صحيح".
(٢) رواه أبو داود (٢٦٦٩)، وقال الألباني في ((الصحيحة)) (٧٠١): "إسناده صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>