للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: حقيقة الإيمان]

في بيان حقيقة الإيمان عند الخوارج نجد أن لهم في ذلك اتجاهين

أما الاتجاه الأول:

فهو ما يراه أبو بيهس زعيم فرقة البيهسية ووافقته عليه فرقة الشبيبية إحدى فروع البيهسية وهو أن الإيمان عبارة عن المعرفة والإقرار، المعرفة بالله ورسله وما جاء به محمد جملة، والولاية لأولياء الله سبحانه والبراءة من أعداء الله والإقرار بكل ذلك.

يقول الأشعري في تقريره لرأي أبو بيهس هذا: "وزعم أبو بيهس أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله، معرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد، والولاية لأولياء الله سبحانه والبراءة من أعداء الله" (٢).

ويقول الشهرستاني في بيانه لآراء بيهس: "والإيمان هو أن يعلم كل حق وباطل، وأن الإيمان هو العلم بالقلب دون القول والعمل، ويحكى عنه أنه قال: الإيمان هو الإقرار والعمل وليس هو أحد الأمرين دون الآخر. وعامة البيهسية على أن العلم والإقرار والعمل كله إيمان" (٣). أي أنهم يخالفون أبا بيهس في حقيقة الإيمان.

ومما يجدر ذكره أن أبا بيهس انفرد عن أكثر الخوارج بهذا الرأي، وهو إخراج العمل من الإيمان، بينما أن دخول العمل في حقيقة الإيمان هو ما يقول به عامة الخوارج كما سنرى فيما بعد.

وهكذا عند الشبيبية حيث "زعموا أن الرجل يكون مسلما إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وتولى أولياء الله وتبرأ من أعدائه، وأخد بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعلم سائر ما افترض الله سبحانه عليه مما سوى ذلك أفرض هو أو لا، فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسأل" (٤).

ونحو هذا عند الشهرستاني إلا أنه قال في تمام النص أنهم يقولون: "ولا يضره أن لا يعلم حتى يبتلى به فيسأل" (٥). وتعبير الشبيبية هنا بالإسلام لا يختلف عن تعبير سابقيهم بالإيمان فهما عند الخوارج بمعنى واحد كما سنرى فيما بعد، وإذا كانوا قد أضافوا الشهادتين كجزء منه ولا يكون ذلك إلا نطقا باللسان إلا أنهم كما رأينا لا يذكرون العمل بأنه جزء من الإسلام، بل يكون الشخص مسلما حتى يبتلى بالعمل فيسأل كما يقول الأشعري والشهرستاني. وفي هذا تظهر موافقتهم لأبي بيهس.

أما الاتجاه الثاني:

فهو اتجاه عامة الخوارج وهو أن حقيقة الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار باللسان والعمل بكل ما جاء به الشرع، فلا إيمان لأحد عندهم لا يتحقق فيه القول والعمل بأوامر الشرع ونواهيه، وهو مالا طريق لنا سواه للاستدلال على ما في قرارة نفسه من تصديق.

يقول ابن حزم: "وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب وبالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح".

ويثبت ابن حزم أيضا أن الخوارج "يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال" (٦). أي أن الإيمان لا يتجزأ فإما أن يأتي به الشخص كاملا، وحينئذ يسمى مؤمنا أو ينقص منه بعض الأعمال فيخرج عن الإيمان.

ويثبت ابن تيمية أن الخوارج ترى أن "الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله، وأنه لا يتبعض". فمتى ذهب بعض ذلك فيلزم تكفير أهل الذنوب (١) كما قال.

ويقول أحمد أمين: "وأهم ما قرره الخوارج في ذلك أن العمل بأوامر الدين من صلاة وصيام وصدق وعدل جزء من الإيمان وليس الإيمان الاعتقاد وحده، فمن اعتقد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم لم يعمل بفروض الدين وارتكب الكبائر – فهو كافر" (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>