ويقول الشيخ عبدالعزيز المحمد السلمان: "وعند الخوارج والمعتزلة أنه لا يسمى مؤمنا إلا من أدى الواجبات واجتنب الكبائر، ويقولون: إن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد، ولكن لا يزيد ولا ينقص. فمن أتى كبيرة كالقتل واللواط وقذف المحصنات ونحوها كفر عند الحرورية واستحلوا منه ما يستحلون من الكفار" (٣)؛ لأنه في نظرهم قد خرج عن الإيمان بفعل هذه المعاصي التي عملها والتي أيضاً تحل منه ما يحل من الكفار.
ويقول صاحب كتاب (الأديان) مثبتا لحقيقة الأعمال في الإيمان: "ولا ينفع إيمانا إلا بالعمل كما قال المسلمون: الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان" (٤).
والخوارج يتفقون في الرأي مع مذهب السلف في حقيقة الإيمان من أنه تصديق وقول وعمل. وقد أشار القاسم بن سلام إلى عدم انفراد الخوارج في قولهم بدخول الأقوال والأعمال في حقيقة الإيمان وإلى مشابهتهم للسلف في ذلك وإن اختلفوا عنهم في ما رتبوه على ذلك من نتائج، يقول في كتابه (الإيمان): "ولم ينفرد الخوارج بالقول بأن الإيمان قول وعمل، وإنما هو قول أهل السنة، وكل ما انفرد به الخوارج أنهم كفروا من لم يعمل وأقر باللسان" (٥).
واعتبار العمل جزءاً من الإيمان هو ما أطبق عليه السلف جميعاً. يقول الإمام أبو الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي المغربي في شرح صحيح البخاري عن دخول الأقوال والأعمال في حقيقة الإيمان: "مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ... فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص" (٦).
ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا إيمان بلا عمل فيقول: "ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان لم يأت بالعمل مواضع كثيرة، ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة" (٧).
ثم ذكر تعاريف السلف للإيمان وأنهم يعرفونه بعبارات مختلفة وكلها صحيح ومؤداها واحد، فهم "تارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح. وكل هذا صحيح" (٨).
وقد عرفه الشيخ بدر الدين الحنبلي في مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية بقوله: "وهو قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والحسنات، وينقص بالفسوق والعصيان" (٩).
وقال البخاري: "وهو قول وفعل" (١٠).
وقال علي بن علي الحنفي: "ولا خلاف بين أهل السنة أن الله تعالى أراد من العباد القول والعمل، وأعني بالقول التصديق بالقلب والإقرار باللسان" (١١).
ويروي ابن حجر عن أبي القاسم اللالكائي قوله: "وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص" (١٢).
ونحو هذا عند الشافعي فقد"قال الحاكم في مناقب الشافعي: حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" (١٣). ثم قال: "وقد استدل الشافعي وأحمد وغيرهما على أن الأعمال تدخل في الإيمان بهذه الآية: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ – إلى قوله- دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ١: ٥]. قال الشافعي: ليس عليهم أحج من هذه الآية" (١٤).
وقد اورد البخاري في صحيحه عدة تراجم كلها تشير إلى أن الأعمال من الإيمان، كقوله: "باب قيام ليلة القدر من الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، باب صوم رمضان احتساباً من الإيمان، باب الصلاة من الإيمان" (١). إلى آخر ما ذكره من أمثال هذه التراجم.