للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: نشأة المدرسة العقلية الحديثة]

لم يكن في نهاية دولة الاعتزال نهاية للتقدم العلمي في العالم الإسلامي بل أن العلم لم يزل في توسعه ونموه فشمل الطب والحكمة والكيمياء والرياضيات والعمارة وغير ذلك فازدهرت العلوم وأينعت.

وبينما كان العالم الإسلامي في أوج حضارته العلمية كان العالم النصراني في أوروبا يتخبط في ظلمات الجهل فقد سيطرت الكنيسة فيه على العقول وحظرت على أتباعها ممارسة كثير من العلوم فسيطرت على العلماء واحتكرت العلم واحتفظت لنفسها بحق تفسير ظواهر الحياة ولم تكن تتردد في الإعدام والحرق والتعذيب تحت آلات أعدت له في محاكم التفتيش لكل من يجرؤ على مخالفتها من علماء الطبيعة والكيمياء والفلك وغير ذلك حتى لا يضيع سلطانها وهيبتها من النفوس. كان هذا حال الشرق وحال الغرب لكن الأمر لم يدم على هذا فقد أثار البابا جريجوري السابع الحرب الصليبية الأولى وعندما تحرك الصليبيون لم تكن هناك جبهة إسلامية موحدة في الشرق الذي كان يعاني عندئذ التفكك والانقسام فواصلوا زحفهم حتى القدس واستولوا عليها سنة ٤٩٢هـ - ١٠٩٩م (١) ثم لم تزل الحروب الصليبية على العالم الإسلامي تتتالى وكان من نتيجة هذه الحملات الصليبية أن نقلت الحضارة الإسلامية إلى بلادهم فاستولى الأوروبيون على الكتب العلمية في شتى العلوم والمعارف واقبلوا عليها دراسة وتجربة وتنمية ووقفت الكنيسة موقفها فأحرقت كثيراً من العلماء وأعدمت الكثير لكن هذا لم يمنع العلماء من الظهور بمظهر الاستشهاد في الدفاع عن مبادئهم وآرائهم حتى الموت مما أتاح الفرصة لدعاة التحرر الفكري من سلطان الكنيسة فهدموا الكنيسة وهدموا الدين معها وانتهى ذلك الصراع الطويل بانتصار دعاة التحرر والحد من سلطان الكنيسة وحصره فانكمش نفوذ البابا ولم يعد يجاوز طقوس التعميد والصلاة والزواج والجنائز وبذلك تحقق فصل الدين عن الدولة (٢).في تلك الفترة كان العلم في حالة انكماش في الشرق وتمدد ونمو في الغرب وأستمر الأمر على هذا الحال. أضف إلى ذلك ما عاناه العالم الإسلامي من حروب أنهكته وحطمته بعد الحروب الصليبية نذكر منها هجمات المغول وسقوط الدولة العباسية على أيديهم وقتلهم الكثير من العلماء ورميهم للكتب العلمية في نهر دجلة حتى صار ماؤه أزرق ثلاثة أيام (٣) كما يذكر المؤرخون أدت هذه الأمور وغيرها إلى ضعف العالم الإسلامي وانتقال الحضارة العلمية إلى أوروبا التي وجهت طاقتها وعنايتها إلى الاهتمام بالعلوم ونشرها.


(١) ((التاريخ الإسلامي)) إبراهيم الشريقي (ص ٢٢٣).
(٢) ((الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر)) محمد محمد حسين (١/ ٢٥٤ – ٢٥٥).
(٣) ((مجلة التمدن الإسلامي)) السنة ١٥ الجزءان (١٥ و ١٦) رجب ١٣٦٨هـ ((ثروتنا العلمية وفهارسها)): أحمد مظهر العظمة (ص ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>