للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية ومسألة الصفات الاختيارية، أو الفعلية، هي التي يسميها المعتزلة والأشاعرة مسألة حلول الحوادث (١)، وأهم ما يميزها بالنسبة للمذهب الأشعري إجماع متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم عليها، لأنها كانت الأساس الذي قام عليه المذهب الكلابي، ثم الأشعري. وهذا بخلاف الصفات الخبرية، أو العلو، فإن الخلاف فيها قائم بين المتقدمين والمتأخرين. والصفات الاختيارية هي – كما يقول شيخ الإسلام – "الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل، فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته، مثل كلامه، وسمعه وبصره، وإرادته، ومحبته، ورضاه، ورحمته، وغضبه، وسخطه، ومثل خلقه، وإحسانه، وعدلة، ومثل استوائه، ومجيئه، وإتيانه، ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة" (٢) .....

مقدمات في بيان الخلاف حول الصفات الإختيارية ومنشئه:

ذكر شيخ الإسلام خلاصة أقوال الطوائف في هذه المسألة فقال: "وأما مسألة قيام الأفعال الاختيارية به: فإن ابن كلاب والأشعري وغيرهما ينفونها، وعلى ذلك بنوا قولهم في مسألة القرآن، وبسبب ذلك وغيره تكلم الناس فيهم في هذا بما هو معروف في كتب أهل العلم، ونسبوهم إلى البدعة وبقايا بعض الاعتزال فيهم.

وشاع النزاع في ذلك بين عامة المنتسبين إلى السنة من أصحاب أحمد وغيرهم. وقد ذكر أبو بكر عبدالعزيز في كتاب (الشافي) عن أصحاب أحمد في معنى أن القرآن غير مخلوق قولين، مبنيين على هذا الأصل:

أحدهما: أنه قديم، لا يتعلق بمشيئته وقدرته.

والثاني: أنه لم يزل متكلما إذا شاء.

وكذلك ذكر أبو عبدالله بن حامد قولين.

وممن كان يوافق على نفي ما يقوم به من الأمور المتعلقة بمشيئته وقدرته – كقول ابن كلاب – أبو الحسن التميمي وأتباعه – والقاضي أبو يعلى وأتباعه، كابن عقيل، وأبي الحسن بن الزاغوني وأمثالهم، وإن كان في كلام القاضي ما يوافق هذا تارة، وهذا تارة.

وممن كان يخالفهم في ذلك أبو عبدالله بن حامد، وأبو بكر عبدالعزيز وأبو عبدالله بن بطه، وأبو عبدالله بن منده، وأبو نصر السجزي، ويحيى ابن عمار السجستاني، وأبو إسماعيل الأنصاري وأمثالهم.

والنزاع في هذا الأصل بين أصحاب مالك، وبين أصحاب الشافعي، وبين أصحاب أبي حنيفة، وبين أهل الظاهر أيضا: فداود بن علي صاحب المذهب وأئمتهم على إثبات ذلك، وأبو محمد بن حزم على المبالغة في إنكار ذلك.

وكذلك أهل الكلام: فالهشامية والكرامية على إثبات ذلك، والمعتزلة على نفي ذلك ...

وكذلك المتفلسفة: فحكوا عن أساطينهم – الذين كانوا قبل أرسطو – أنهم كانوا يثبتون ذلك، وهو قول أبي البركات صاحب "المعتبر"، وغيره من متأخريهم، وأما أرسطوا وأتباعه – كالفارابي وابن سينا – فينفون ذلك، وقد ذكر أبو عبدالله الرازي عن بعضهم أن إثبات ذلك يلزم جميع الطوائف وإن أنكروه، وقرر ذلك. وكلام السلف والأئمة، ومن نقل مذهبهم، في هذا الأصل كثير، يوجد في كتب التفسير والأصول ... " (٣).

ومن خلال هذا العرض المفصل لأقوال الطوائف في هذه المسألة يتبين أن الخلاف فيها ليس مع الأشاعرة فقط، كما أن القائلين بها ليسوا أهل السنة فقط، وإنما وافقهم عليها – ولو بشكل مجمل – كثير من أتباع الطوائف المختلفة.

ومنشأ الخلاف في هذه المسألة من جهتين:

الجهة الأولى: المضافات إلى الله وأنواعها، وقد ذكر شيخ الإسلام أن المضافات إلى الله في الكتاب والسنة ثلاثة أقسام:


(١) انظر: ((درء التعارض)) (٢/ ١٠).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢١٧).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (٢/ ١٨ - ٢٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>