للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شبه الأشاعرة في نفي العلو أنه يلزم منه أن يكون الله مركبا، منقسما، ذا قدر: وكان من مناقشة شيخ الإسلام أن ألزمهم ذلك بإثباتهم للصفات فقال: "وإذا جاز أن يقولوا: إن الموصوف الذي له صفات متعددة هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم، جاز أيضا أن يقال: إن الذي له قدر هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم، وإن كان في الموضعين يمكن أن يشار إلى شيء منه، ولا يكون المشار إليه هو عين الآخر" (١).ثم إن شيخ الإسلام ألزم الأشاعرة في إثبات علو الله وقيامه بنفسه بما أثبتوه أيضا من الصفات التي لا يجعلونها أعراضا وينكرون على من ألزمهم بذلك فكذلك يقال لهم: إذا ثبت أن الله تعالى بائن من خلقه قائم بنفسه لا يلزم أن يكون جسما مركبا، يقول شيخ الإسلام: "فيقال إذا كان القائم بغيره من الحياة والعلم والقدرة وإن شارك سائر الصفات في هذه الخصائص "ولم يكن عندك عرضا، فكذلك القائم بنفسه وإن شارك غيره من القائمين بأنفسهم فيما ذكرته، لم يجب أن يكون جسما مركبا منقسما، ولا فرق بين البابين بحال؛ فإن المعلوم من القائم بنفسه أنه جسم، ومن القائم بغيره أنه عرض، وأن القائم بنفسه لابد أن يتميز منه شيء عن شيء، والقائم بغيره لابد أن يحتاج على محله، فإذا أثبت قائما بغيره يخالف ما علم من حال القائم بنفسه في ذلك، فكذلك لزمه أن يثبت قائما بنفسه يخالف ما علم من حال القائمين بأنفسهم" (٢).ومثل ذلك ما يقال من أن اختصاص الله تعالى بالوصف كاختصاصه بالقدر، فكيف يفرق بينهما من ينكر العلو والاستواء لاستلزامه القدر (٣) .... ٤ - في حديث الصورة: ((خلق الله آدم على صورته)) (٤).ذكر شيخ الإسلام في رده على من تأوله فقال: "المحذور الذي فروا منه لتأويل الحديث على أن الصورة بمعنى الصفة، أو الصورة المعنوية، أو الروحانية، ونحو ذلك، يلزمهم فيما أثبتوه نظير ما فروا منه، وإذا كان مثل هذا لازما على التقديرين لم يجز ترك مقتضى الحديث ومفهومه لأجله، ولم يكن أيضا محذورا بالاتفاق ... " (٥).

٥ - القول في نصوص الصفات كالقول في نصوص المعاد: أي أن النصوص التي ثبتت بها الصفات هي مثل النصوص التي ثبت بها المعاد، فتفريق الأشاعرة – وغيرهم – بينهما بإثبات هذا ونفي هذه تناقض، بل يلزمهم أن يقروا بكل ما ورد من الصفات كإقرارهم بنصوص المعاد، خاصة وأن نصوص الصفات أكثر (٦).

المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٣/ ١١٨٦


(١) ((نقض التأسيس)) – مطبوع (٢/ ٦٦).
(٢) ((نقض التأسيس)) – مطبوع (٢/ ٦٧).
(٣) انظر: ((نقض التأسيس)) (٢/ ١٩٩)، وانظر: ((درء التعارض)) (٣/ ٣٧٢ - ٣٨٥).
(٤) رواه البخاري (٦٢٢٧) , ومسلم (٢٦١٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) ((نقض التأسيس)) – (مخطوط ٣/ ٢٧٣).
(٦) انظر: ((الفتوى الحموية – مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>