ولما كان هذا النظام قائمًا على قانون السببية أو القوانين الطبيعية فإن إبطال الأسباب وإنكار الطبائع قتل لهذا النظام، وتجهيل له، وقلب للنظام العلمي فيه، يقول ابن رشد:( .. وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها، فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له، فإنه يلزم أن لا يكون ههنا شيء معلوم أصلاً) ويشرح ابن رشد قوله السابق ويقول: ( .. والعقل ليس هو شيء أكثر من إدراكه الموجودات بأسباب وبه يفترق عن سائر القوى المدركة فمن دفع الأسباب فقد رفع العقل) ويحكم ابن رشد على من أنكر الأسباب والطبائع بأنه ألغى الفوارق بين الأشياء وجعلها شيئًا واحدًا ومن ثم لا حدود ولا فواصل بين الأشياء وكفى بهذا إبطالاً للوجود وللعلم يقول: ( .. فماذا يقولون في الأسباب الذاتية التي لا يفهم الموجودات إلا بفهمها، فإنه من المعروف بنفسه أن للأشياء ذوات وصفات هي التي اقتضت الأفعال الخاصة بوجود موجود وهي التي من قبلها اختلفت ذوات الأشياء وأسماؤها وحدودها فلو لم تكن لوجود موجود فعل يخصه، لم يكن له طبيعة تخصه، ولو لم تكن له طبيعة تخصه لما كان له اسم يخصه ولا حد وكانت الأشياء كلها شيئًا واحدًا، ولا شيئًا واحدًا ارتفعت طبيعة الموجود، إذا ارتفعت طبيعة الموجود لزم العدم) وفي هذا الكلام رد على الأشعرية القائلين بأن لا طبائع ولا أسباب بل يذكر بعضهم أن أهل السنة مجمعون على تضليل من قال أن الموجودات تختلف بالطبائع فإذا لم يكن كذلك فبماذا تختلف؟ ويقول العامري:
(والذي حمل هذه الفرقة المختلفة على ارتكاب هذه الأقوال المخترعة هو عجزهم عن الروية في واحد من المعاني الطبيعية، وضعفهم عن التفكير في جبلته والتعرف بخصائص قواه، فأقدموا على جحد الحقائق كلها)
ويقول المفكر سليمان دنيا في تعليقه على إنكار الأشعرية لقوانين السببية وحتميتها:( .. ولكن إلغاء السبب معناه القضاء على العلم والقوانين العلمية، وإغلاق باب التكهن بالمستقبل وترتيب المسببات على أسبابها، وتلك إحدى النتائج الخطيرة التي انتهى إليها (هيوم) في نقده وتحليله) وتتركز هذه الخطورة حينما تنسب إلى الدين أو تجعل أساسًا صالحاً للبرهنة على صحة التوحيد، والأمر خلاف ذلك.
المصدر:عقيدة العادة عند الأشاعرة لجابر السميري – ص ٢٨