للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث والعشرون: مسائل الحدود والجنايات: قالوا: يجب الحد على المجنون حتى لو زنى بامرأة عاقلة (١)، وهذا مخالف لما ثبت عند الفريقين: ((رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق ... )) الحديث (٢).وقالوا: يجب الرجم على امرأة جامعها زوجها، ثم ساحقت تلك المرأة بكراً، وحملت تلك البكر، وتحد البكر مائة جلدة، مع أن السحاق لم يقل أحد أنه زنا (٣).وقالوا: يجب حد القذف على مسلم، إذا قال لآخر: يا ابن الزانية، وكانت أم المقذوف كافرة (٤)، مع أن نص القرآن يخصص حد القذف بالمحصنات، والكافرة ليست بمحصنة، بل يجب تعزيره لحرمة ولدها المسلم. وقالوا: لو قتل الأعمى مسلماً معصوماً لا يقتص منه، مع أن القصاص عام للأعمى وغيره (٥).

وقالوا: لو جاع شخص، وعند آخر طعام لا يعطيه للجائع، يجوز للجائع أن يقتله ويأخذ طعامه، ولا يجب عليه شيء من القصاص والدية، مع أن عدم إطعام الجائع لا يسوغ القتل في شريعة من الشرائع. وقالوا: لو قتل ذمي مسلماً يعطى ورثة المقتول مال القاتل كله، والورثة مخيّرون في جعل الذمي عبداً لهم وفي قتله، وكذا إن كان للذمي أولاد صغار يجوز لورثة المقتول أن يتخذوهم عبيدا ً (١٢٨ / أ) وإماء (٦)، مع أن الآية تدل على القصاص فقط، ولا يجوز الجمع بين القصاص والدية، فضلاً عن أن يصير القاتل عبداً أو ورثته، قال تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء: ١٥].

المصدر:غرائب فقهية عند الشيعة الإمامية لمحمود شكري الألوسي


(١) ونسبوا ذلك إلى الأئمة، فروى الكليني عن أبان بن تغلب قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد، وإن كان محصناً رجم ". ((الكافي)) (٧/ ١٩٢) , الطوسي ((تهذيب الأحكام)) (١٠/ ١٩).
(٢) رواه أبو داود (٤٣٩٨) , والنسائي (٦/ ١٥٦) (٣٤٣٢) , وابن ماجه (٢٠٤١) , من حديث عائشة رضي الله عنها, وروي من حديث علي, وأبي قتادة, وأبي هريرة, ومن حديث ثوبان, وشداد بن أوس. والحديث سكت عنه أبو داود. وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٣/ ٣٩٢). وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (١/ ٨٩): إسناده على شرط مسلم. وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٢/ ١٢٤): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضا. وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) و ((صحيح سنن النسائي)) و ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٣) فروى الطوسي أن الحسن بن علي بن أبي طالب سئل عن: " امرأة جامعها زوجها، فقامت بحرارة جماعه فساحقت جارية بكراً، فألقت عليها النطفة فحملت، فقال عليه السلام: في العاجل تؤخذ هذه المرأة بصداق هذه البكر لأن الولد لا يخرج حتى يذهب بعذره، وينتظر حتى تلد ويقام عليها الحد، ويلحق الولد بصاحب النطفة، وترجم المرأة صاحبة الزوج ". ((تهذيب الأحكام)) (٧/ ٤٢٢).
(٤) قال الطوسي: " إن قال لمسلم: أمك زانية أو يا ابن الزانية، وكانت أمه كافرة أو أمة كان عليه الحد تاماً ". ((النهاية)) (ص ٧٨٤) , العاملي ((اللمعة الدمشقية)) (٩/ ١٦٧).
(٥) يشير الآلوسي إلى ما أخرجه (شيخ الطائفة) وغيره من الإمامية عن محمد الحلبي قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه، فوثب المضروب على ضاربه فقتله؟ فقال أبو عبد الله: هذان متعديان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً لأنه قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ ". ((تهذيب الأحكام)) (١٠/ ٢٣٣) , العاملي ((وسائل الشيعة)) (٢٩/ ٣٩٩).
(٦) قال ابن حمزة: " وإن قتل كافر حراً مسلماً أو كفار وأسلموا قبل الاقتصاص كان حكمهم حكم المسلمين، وإن لم يسلموا دفعوا برمتهم مع أولادهم وجميع ما يملكونه إلى ولي الدم إن شاء قتل واسترق الأولاد وتملك الأموال، وإن شاء استرق القاتل أيضاً ". ((الوسيلة)) (ص ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>