للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا فإن المازندراني وأتباعه قد كفوا الناس مهمة الرد عليهم حيث كذبوا أنفسهم بأنفسهم؛ لأن تناقض المازندراني صاحب الفكرة قبل غيره من أتباعه أكبر دليل على كذبهم في إخلاصهم لسعادة البشر، فبينما هو ينهي عن الانتساب إلى وطن بعينه إذا به يبكي ويندب حظه على فراق وطنه-أرض الطاء كما يسميها، ويتأسف لغربته في البلدان بعيداً عن إيران حيث تغرب في العراق وتركيا وفلسطين. ويظهر هذا في كتابه إلى أحد أصدقائه قائلاً له: (يا أحمد لا تنس فضلي في غيبتي، ثم اذكر أيامي في أيامك ثم كربتي وغربتي في هذا السجن البعيد) (١)، ويقصد بهذا السجن وطنه الجديد فلسطين- ثم ينادى أرض الطاء- طهران إيران فيقول: (يا أرض الطاء لا تحزني من شيء قد جعلك مطلع فرح العالمين، افرحي بما جعلك الله أفق النور ولد فيك مطلع الظهور (٢) - أي نفسه).

وهذا الكلام والأسى والحزن على وطنه طهران وذمه لفلسطين وتسميته لها أرض الخاء تناقض ظاهر؛ إذ كيف يزعم أنه لا يجوز تفضيل وطن على وطن ثم بعد ذلك يمدح وطناً ويذم آخر بدون مبرر إلا مجرد الهوى، ونسي فلسطين وأدرنة التي آوته زمناً دبر فيها مع اليهود الخطط التي ينبغي عليه أن يسلكها لجعل فلسطين يهودية ولانتشار دعوته المشئومة التي أراد منها أن تكون ديانة عالمية تنسخ جميع الأديان حسب زعمه.

ثم ذهب يتخبط في جهله فجاء في كتاب (الأقدس) بكلام يتنزه عنه العامي أن ينسب إليه لكثرة ما فيه من التناقض، ومن الآراء الخيالية والتعاليم الباهتة ويلحق بمحو فكرة الأوطان المختلفة أن يمحي أمراً هاماً جداً من أذهان الناس تبعاً لمحو فكرة الأوطان، ألا وهو محو فكرة الجهاد وحمل السلاح، فقد قاد المازندراني وأتباعه حملة شرسة مضنية في إبطال قتال الكفار أياً كانوا، أو حتى مجرد النية في ذلك.

والنتيجة من وراء هذا الطلب وتقريره لا تحتاج إلى تفكير واجتهاد لاستخلاصها، فالقصد منها هو رد الجميل للروس والإنجليز واليهود الذين كانوا وراء نبوّته ثم ألوهيته وزعامته لكي يبسطوا نفوذهم دون المقاومة أو احتجاج من الناس- وخصوصاً المسلمين- لأن الشريعة الجديدة كما يزعم تأمر بهذه الطاعة، وتنهي عن رفع السلاح في وجود أي جنس من الناس مهما كان دينهم.

وهذا هو السر في وقوف أولئك الطامعين في استعمار البلدان الإسلامية والعربية جنباً إلى جنب، في بناء البهائية وتأييدها والذب عنها.

يقول المازندراني في محو الجهاد:

(حُرم عليكم حمل آلات الحرب إلا حين الضرورة، وأحل لكم لباس الحرير).

وقال أيضاً:

(البشارة الأولى التي منحت من أم الكتاب في هذا الظهور الأعظم محو حكم الجهاد من الكتاب).

وقد أكد أسلمنت هذا الجانب فقال: (إن البهائيين تركوا بالكلية استعمال الأسلحة النارية حتى في أمور الدفاع المحضة، وذلك بناء على أمر صريح من بهاء الله) (٣).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي تبجح فيها البهائيون لمحو أصل الجهاد ومشروعيته للدفاع عن الدين والوطن والعرض؛ لأن هذه كلها لا ينبغي أن تقف عائقاً في سبيل تقدم جحافل الكفر والإلحاد إلى ديار المسلمين كما يريد البهائي. ومن العجب ولسرٍ غير خاف جمع المازندراني بين النهي عن حمل السلاح والجهاد وبين تحليل لبس الحرير للرجال.

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ٢/ ٦٨٥ - ٦٨٩


(١) ((لوح أحمد)) (ص: ١٥٥)، نقلاً عن ((البهائية)) (١١٧).
(٢) ((الأقدس ضمن خفايا البهائية)) (ص١٦٢).
(٣) انظر: ((قراءة في وثائق البهائية)) (ص: ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>