للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أورد الربيع بن حبيب الإباضي في صحيحه عدة أحاديث في نفي الرؤية منها قوله: " قال الربيع: بلغني عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه خرج ذات يوم، فإذا هو برجل يدعو ربه شاخصاً بصره إلى السماء رافعاً يده فوق رأسه فقال له ابن عباس: ادع ربك بأصبعك اليمنى واسأل بكفك اليسرى واغضض بصرك، وكف يدك، فإنك لن تراه ولن تناله. فقال الرجل: ولا في الآخرة؟ قال: ولا في الآخرة، فقال الرجل: فما وجه قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال ابن عباس: ألست تقرأ قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، ثم قال ابن عباس: إن أولياء الله تتنضر وجوههم يوم القيامة وهو الإشراق ثم ينظرون إلى ربهم متى يأذن لهم في دخول الجنة بعد الفراغ من الحساب". ثم أورد روايات كثيرة عن ابن عباس في نفي الرؤية لله تعالى. والملاحظ هنا أن المؤلف أورد أولاً في هذا الحديث عن ابن عباس أنه نفى رؤية الله في الدنيا والآخرة في إجابته للسائل، ثم أورد أخيراً عن ابن عباس إثبات الرؤية لأولياء الله وذلك في قوله: (ثم ينظرون إلى ربهم متى يأذن لهم في دخول الجنة) (١).وربما يقصد بنظرتهم إلى ربهم أي ينتظرون أمره وإذنه.

ومن الأمثلة أيضاً قوله: " قال: حدثنا أفلح بن محمد عن أبي عمر السعدي عن علي بن أبي طالب في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: تنضر وجوههم وهو الإشراق، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: تنظر متى يأذن لهم في دخول الجنة ".ثم قال الربيع أيضاً: " وقال علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس وعائشة أم المؤمنين ومجاهد وإبراهيم النخعي ومكحول الدمشقي وعطاء بن يسار وسعيد ابن المسيب وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وأبو صالح صاحب التفسير وعكرمة ومحمد بن كعب وابن شهاب الزهري: " أن الله لا يراه أحد من خلقه " (٢).ومما يجدر ذكره هنا تعليقاً على ما أسند إلى هؤلاء الصحابة والتابعين من نفي الرؤية أن ابن تيمية نفى أن يكون قد ورد عن أحد من السلف نفي الرؤية في الآخرة بقوله: " ولم يثبت عن أحد منهم (يعني ابن عباس وعائشة وأبا ذر رضي الله عنهم) إثبات الرؤية بالعين في الدنيا، كما لم يثبت عن أحد منهم إنكار الرؤية في الآخرة " (٣).وما كان للصحابة أن ينفوا الرؤية بعدما أثبتها الله لنفسه وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ناقش الورجلاني أيضاً بحث الرؤية بفصل طويل في كتابه (الدليل لأهل العقول) ورد على الأشعري إثباته لرؤية الله في الدار الآخرة وخطأه فيما لم يخطئ فيه (٤).ويقول صاحب كتاب (العقود الفضية) منهم كذلك نافياً إمكانية إمكان رؤية الله تعالى: " فالإباضية يمنعون ذلك، والمنع قول عائشة من الصحابة وقتادة والزمخشري وغيرهم من المعتزلة والشيعة، والحجة قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، والإدراك يكون بالقليل كما يكون بالكثير، فنفي ذلك عن نفسه، وبقوله تعالى لموسى عليه السلام: قَالَ لَن تَرَانِي، وهو يقتضي التأبيد، والأحاديث الواردة أحادية، وتقبل التأويل لتنطبق مع الآيات، ولأن يلزم من يقول بالرؤية إثبات الجهة واللون لله تعالى وهو باطل" (٥).


(١) مسند الربيع (٣/ ٣٥).
(٢) مسند الربيع (ص ٣٧).
(٣) ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (ص ٦٥).
(٤) ((الدليل لأهل العقول)) (ص ٦٣ – ٦٨).
(٥) ((العقود الفضية)) (ص ٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>