للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غاية التزكية عند الصوفيةفبينما يزداد أهل السنة بالتزكية عبودية وذلا وتواضعا وحبا لله عز وجل وافتقارا إلى الكتاب والسنة لضبط أقوالهم وأفعالهم إرضاء لربهم عز وجل، فإن الصوفية يزدادون بدعوى التزكية عندهم إلى إدعاء المكاشفة وحصول العلم اللدني الذي يستغنون به عن الكتاب والسنة والفناء في ذات الله عز وجل وتحقيق ما يسمونه بالعبد الرباني كما في الحديث الموضوع ((عبدي أطعني أجعلك عبدا ربانيا تقول للشيء كن فيكون)) (١) وهم مع ذلك يفضلون الأولياء على الرسل والأنبياء كما قال قائلهم:

مقام الأنبياء في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي

ويقول بعضهم: خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله. وينتهي الأمر عند غلاتهم بالقول بالفناء في ذات الله، واعتقاد الحلول والاتحاد.

المكاشفة: قال الغزالي: عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة، وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة، حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات، وبأفعاله، وبحكمته في خلق الدنيا والآخرة، والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي وكيفية ظهور الملك للأنبياء، وبكيفية وصول الوحي إليهم، والمعرفة بملكوت السماوات والأرض (٢).

ثم قال: ونعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء، حتى يتضح له جبلية الحق في هذه الأمور، اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه.

وأضاف: وهذا ممكن في جوهر الإنسان، لولا أن مرآة القلب قد تراكم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا، الحق يتلألأ فيه حقائقه.

يقول الأستاذ دمشقية:-فإذا أزيلت هذه القاذورات وتطهر القلب من تراكم هذا الصدأ فأنه يصير ممكنا عند الغزالي الاطلاع على اللوح المحفوظ، ومعرفة مقادير الخلائق حسبما هو مدون فيه، ومعرفة ما سيكون في المستقبل، وكشف ما في ضمائر الناس واعتقاداتهم وما تخفيه صدورهم. (٣)

٢ - العلم اللدني:

لا تلبث هذه العلوم الكشفية عند الصوفية أن تتحول إلى علم خاص لدني مستقل عن العلوم الشرعية.

يقول الغزالي: وإذا غلب نور العقل على أوصاف الحس يستغني الطالب بقليل التفكير عن كثرة التعليم؛ فأن نفس القابل تجد من الفوائد بتفكر ساعة مالا تجد نفس الجامد بتعلم سنة. ويقول: العلم الحاصل عن الوحي يسمى علما نبويا، والذي يحصل عن الإلهام يسمى علما لدنيا، والعلم اللدني الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري. (٤)


(١) جاء في ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (٤/ ٤٧٣) فتوى رقم (٢٨٠٨): س: سمعت من بعض الناس يقول حديثا قدسيا عبارته: "عبدي أطعني تكن عبدا ربانيا يقول للشيء: كن، فيكون"، هل هذا حديث قدسي صحيح، أم غير صحيح؟ ج: هذا الحديث لم نعثر عليه في شيء من كتب السنة، ومعناه يدل على أنه موضوع، إذ أنه ينزل العبد المخلوق الضعيف منزلة الخالق القوي سبحانه، أو يجعله شريكا له، تعالى الله عن أن يكون له شريك في ملكه، واعتقاده شرك وكفر؛ لأن الله سبحانه هو الذي يقول للشيء: كن، فيكون، كما في قوله عز وجل: *يس: ٨٢*إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(٢) ((طريق الهجرتين)) (١٧٩، ١٨٠)
(٣) ((الرسالة اللدنية)) (١١٢ - ١١٣) نقلا عن ((أبي حامد الغزالي والتصوف)).
(٤) ((الرسالة اللدنية)) (١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>