للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يوضح الأمر في ذلك أن من لغة العرب الظاهرة التي نزل بها القرآن استعمال لفظ الجمع في موضع التثنية في المضاف إذا كان متصلا بالمضاف إليه، والمعنى ظاهر، كقوله تعالى: إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا [التحريم: ٤] وليس لكل منهما إلا قلب، فالمعنى قلباكما، لكن النطق بلفظ الجمع أسهل، والمعنى معروف أنه ليس لكل منهما إلا قلب، وكذلك قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة: ٣٨] والمعنى فاقطعوا أيمانهما، إذ لا يقطع من كل واحد إلا يده اليمنى، لكن وضع الجمع موضع التثنية لسهولة الخطاب وظهور المراد ... وإذا كان كذلك قيل: لفظ "أعيننا" ولفظ "أيدينا" مع كون المضاف إليه ضمير جمع أولى بالحسن مما إذا كان المضاف ضمير تثنية، فإذا كان من لغتهم ترك استحسان "قلباكما" و"يديهما" فلأن يكون في لغتهم ترك استحسان "بعيننا" أو "بعينيا"، ومما عملت يدنا، أو يدانا أولى وأحرى ... " (١).ثم إن شيخ الإسلام بين أن التثنية وردت في القرآن في صفة اليدين بشكل صريح لا يحتمل المجاز مطلقا، وهو قوله تعالى: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥] فدلالة هذه الآية على الصفة أصرح من الأدلة الآية الأخرى وهي قوله تعالى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس: ٧١] وقد عقد مقارنة بين الآيتين، بين فيها – من وجوه عديدة – أنه لا يصح تأويل آية سورة "ص" بحال (٢).أما لفظ التثنية في العين فلم يرد في القرآن، ولكن جاء في الحديث ما يدل عليه، ونسبه الأشعري إلى أهل السنة، ولكن هذه الصفة ثابتة قد دلت عليها النصوص (٣).وكذلك صفة الوجه ثابتة دلت عليها نصوص الكتاب والسنة (٤).ومثلها كل صفة وردت في الكتاب والسنة الصحيحة، مثل: الأصابع (٥)، والقدم (٦)، والساق (٧)، والحقو (٨)، والصورة (٩)، وغيرها.

المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٣/ ١٢٢٥


(١) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ١٦ - ١٩).
(٢) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ٢٠ - ٢٢)، وانظر: ((التدمرية)) (ص: ٧٣ - ٧٦)، و ((الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز – مجموع الفتاوى –)) (٦/ ٣٦٢ - ٣٧٢)، و ((درء التعارض)) (٧/ ٢٦٧)، و ((الرسالة الأكملية – مجموع الفتاوى –)) (٦/ ٩٢).
(٣) انظر: ((الجواب الصحيح)) (٣/ ١٤٤)، و ((الواسطية – مجموع الفتاوى –)) (٣/ ١٣٣)، و ((الحموية – مجموع الفتاوى –)) (٥/ ٩٠ - ٩١)، وانظر ((مقالات الإسلاميين للأشعري)) (ص: ٢٩٠) – ت ريتر، و ((الأبانة)) (ص: ١٨) – فوقية.
(٤) انظر: ((الواسطية – مجموع الفتاوى –)) (٣/ ١٣٣)، و ((الحموية – مجموع الفتاوى –)) (٥/ ٩٨ - ٩٩)، و ((الرد الأقوم على ما في نصوص الحكم – مجموع الفتاوى)) (٢/ ٤٣٣)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (١/ ٣٥ - ٣٩).
(٥) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ١١٥ - ١١٦، ١٤٢).
(٦) انظر: ((الواسطية – مجموع الفتاوى –)) (٣/ ١٩٣)، و ((الحموية – مجموع الفتاوى –)) (٥/ ٤٤، ٧٥).
(٧) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ١٥ - ١٦).
(٨) أطال شيخ الإسلام في مناقشة الرازي حول هذه الصفة. وبين أنها مثل غيرها من الصفات تثبت كما وردت. انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ١٢٧ - ١٤٢).
(٩) وقد أطال في الكلام على حديث الصورة، ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ٢٠٢ - ٥١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>