للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبما أن تركهم وما هم عليه من جوار أهون من سفك الدماء؛ لذا كان أولى. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ... ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة ((أدوا إليهم حقوقهم واسألوا حقوقكم)) (١) ... ثم قال: إن من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة، وترك القتال في الفتنة ... " (٢).

ما ذكرنا إنما هو بالنسبة للإمام.

أما ما سوى الإمام من عامة الناس، فنقول: إن كانت المعتزلة ترى قتالهم لكفرهم وارتدادهم عن دين الإسلام، فنحن نوافقهم على ذلك، بدليل عمل أبي بكر – رضي الله عنه – مع أهل الردة.

وإن كانوا يرون قتالهم؛ لأنهم خالفوا أصولهم أو لأنهم ارتكبوا الكبائر، فنقول: أما مخالفتهم لأصولكم، فلا يعتبر كفراً يوجب قتالهم؛ بل هو سلامة من البدعة ودخول في السنة.

وأما ارتكاب الكبائر: فكذلك لا يوجب قتالهم؛ وذلك لأن بعض الكبائر لهم حدود، فيقام الحد على مرتكبيها إذا بلغ أمرهم السلطان وثبتت الكبيرة بإقرار أو شهود، وإذا لم يبلغ السلطان أمرهم فعلى المسلم لأخيه المسلم النصيحة، ومحاولة منعه ارتكاب المحرمات بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. ثم إن منع المنكر باليد لا يعني القتال بالسيف – كما بيناه – عند الرد على شبهة المعتزلة في ترتيب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وعلى ذلك؛ فإن صاحب الكبيرة لا يقاتل لما بينا أن له حدود، ولأن القتال لا يجب إلا للكفار والمرتدين، وهو ليس كذلك. ونقول لهم أيضاً: لو أوجبتم قتال صاحب الكبيرة لناقضتم قولكم في المنزلة بين المنزلتين، فإنكم ترون أن صاحب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، لا كافر ولا مؤمن، وعللتم (٣) عدم إطلاق الكفر عليه؛ لأنه يعامل معاملة المسلم، ومن معاملته أنه لا يقتل كما يقتل الكافر.

وعلى ذلك؛ فصاحب الكبيرة لا يقاتل باتفاق منا ومنكم.

منا: لأنه مؤمن، وله حدود.

ومنكم: لأنه ليس بكافر. والله أعلم.

ثالثاً: مناقشة المعتزلة في قولهم: إنه لا فرق بين قتال الكافر والفاسق مع بيان رأي أهل السنة.

عرفنا – عند عرضنا لرأي المعتزلة في هذا – أنهم لا يفرقون بين قتال الكافر والفاسق؛ لأنهم يرون قتال كل مخالف لهم.

ونقول لهم: إن قولكم أنه لا فرق بين قتال الكافر والفاسق على إطلاقه مردود؛ لأن الفسق ليس كله كفراً.


(١) رواه البخاري (٣٦٠٣) ومسلم (١٨٤٣) من حديث ابن مسعود بنحوه.
(٢) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص٢٠).
(٣) انظر ((الانتصار)) للخياط (ص١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>