للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفنا – عند عرضنا لرأي المعتزلة في هذا – أنهم يرون وجوب الخروج على السلطان الجائر وقتال المخالف لهم في أصولهم.

ونقول لهم: ما الذي تقصدونه بوجوب الخروج على السلطان؟ هل هو الخروج على السلطان الكافر والمرتد عن الإسلام؟ أم الخروج على السلطان الجائر والمخالف لكم في أصولكم؟.إن كان الأول؛ فهذا نتفق معكم فيه، فإن من ارتد عن الإسلام يجب قتاله حتى يعود إلى الإسلام أو يزول بموت أو غيره، لما روي عن أم المؤمنين أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .... إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. فقالوا: يا رسول الله: ألا نقاتلهم؟ قال: لا. ما أقاموا فيكم الصلاة)) (١). فمفهوم الحديث أنهم يقاتلون إذا ارتدوا عن دين الإسلام، ومثله حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – حيث قال: ((بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)) (٢). ففي هذا الحديث إشارة على أنه في حالة كفر الإمام للرعية منازعته الأمر.

ويؤيد ما ذكرنا – أيضاً – عمل أبي بكر مع أهل الردة.

وإن كان الثاني: وهو وجوب الخروج على السلطان الجائر والمخالف لكم في أصولكم. فهذا القول مردود لتضافر الأدلة من الكتاب والسنة بالأمر بطاعة الأئمة حتى ولو كانوا جائرين، والنهي عن قتالهم ما لم يكفروا. من ذلك، قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... الآية [النساء: ٥٩]. ومن ذلك حديث أم سلمة السابق الذكر والذي فيه قول الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم (( ... ألا نقاتلهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا. ما أقاموا فيكم الصلاة)) (٣). فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتال الأئمة ولو كانوا جائرين ما داموا يقيمون الصلاة. ومن ذلك – أيضا – حديث عبادة بن الصامت: ((بايعنا رسول الله على السمع والطاعة ... وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً ... الحديث)) (٤). فقد نهى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن منازعة الأئمة الأمر ما لم يكفروا، ومثل ذلك أيضاً: حديث سلمة بن يزيد الجعفي عندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، ثم سأله الثانية أو الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)) (٥). ففي هذا الحديث أمر بالسمع والطاعة للإمام حتى ولو كان جائراً. ولأن في الخروج على الأئمة من المفاسد أكثر من المصالح التي يراد تحصيلها؛ إذ أن الخروج عليهم قد يؤدي إلى سفك الدماء واستحلال الحرام، والقاعدة العامة إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الراجح (٦).


(١) رواه مسلم (١٨٥٤).
(٢) رواه البخاري (٧٠٥٥) , ومسلم (١٧٠٩).
(٣) رواه مسلم (١٨٥٤).
(٤) رواه البخاري (٧٠٥٥) , ومسلم (١٧٠٩).
(٥) رواه مسلم (١٨٤٦).
(٦) ((شرح الواسطية)) (ص٦٢٢)، وانظر ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص٢٠، ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>