للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - إن الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها، واجتناب الكبائر. ٢ - إن الإيمان هو جميع الطاعات الفرض منها دون النفل، واجتناب الكبائر وقد ذكر هذين الرأيين القاضي عبد الجبار حيث قال: الإيمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات الفرائض دون النوافل، واجتناب المقبحات. وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبحات. قال المعلق: وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة (١).ورأي المعتزلة الذي تتفق عليه والذي يبدو واضحا من التعريفين السالفين هو جعل الطاعات المفروضة من الإيمان وهذا هو بعينه مذهب الزيدية الذين يوافقونهم في هذا الباب (٢). والخلاف كما هو واضح ينحصر بينهم في النوافل هل هي داخلة في الإيمان أو لا. وحينما يعبرون بالطاعات فإنهم يقصدون الطاعات التي تصدر عن القلب، فطاعته اعتقاده وتصديقه، وعن اللسان وطاعته قوله الخير وتعبيره عما في قلبه، والعمل ببقية الجوارح سواء كان ذلك مفروضا أو نافلة. وقد ذكر أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتابه (طبقات المعتزلة) إجماعهم على هذا المعنى حيث قال: أجمعت المعتزلة على أن الإيمان قول ومعرفة وعمل (٣).

وإذا فالمعتزلة قد عولوا على العمل كثيرا، والعمل عندهم له شأن لأنه لا قيمة للتكاليف إذا لم يقم بها من كلفوا بأدائها، ولهذا جعلوا الإيمان قولا ومعرفة وعملا، فالقول لا بد منه حتى يكون كالبيان والإظهار لما في القلب، ولا يمكن أن نميز المؤمن عن غيره إلا بالنطق باللسان ولا يقل العمل عندهم في تحقيق الإيمان عن الركنين الآخرين. وهذا الأمر موضع اتفاق بين المعتزلة والسلف.

أما أدلة المعتزلة على ما ذهبوا إليه في حقيقة الإيمان، فهي بعينها أدلة السلف في هذا الباب، وقد تقدم ذكرها فأكتفي هنا ببيان مثال منها لتتبين الموافقة في طريقة الاستدلال.

فمن أدلة المعتزلة من القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: ٢]. يقول القاضي عبد الجبار: إن هذه الآية تدل على أن الإيمان ليس هو القول باللسان، أو اعتقاد القلب على ما ذهب المخالف إليه، ولكنه كل واجب وطاعة، لأنه تعالى ذكر في صفة المؤمنين ما يختص بالقلب، وما يختص بالجوارح، لما اشترك الكل في أنه من الطاعات والفرائض. ومما استدلوا به من الأحاديث النبوية الشريفة: حديث شعب الإيمان - وقد تقدم - فقد ذكره كدليل للمعتزلة على هذا الرأي العالم الزيدي جعفر بن أحمد بن عبد السلام في كتابه (أمالي القاضي عبد الجبار المعتزلي)، وعقب عليه بذكر كلام القاضي عبد الجبار على هذا الحديث حيث قال قاضي القضاة: وإنما أراد صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالشهادة على معرفة وبصيرة، لا كما ينطق بها المنافق، ودل بذلك على أن الإيمان كما يدخل فيه القول، كذلك يدخل فيه الفعل بالجوارح (٤). وقد ذكر المصنف أدلة مماثلة، وسرد طريقة المعتزلة في الاستدلال بها على هذا النمط، الذي هو بعينه استدلال السلف، فلا داعي لإعادتها.

المصدر:الإيمان بين السلف والمتكلمين لأحمد الغامدي - ص ١٢١


(١) (شرح الأصول الخمسة) (٧٠٧).
(٢) انظر ((العقد الثمين في معرفة رب العالمين)) الحسين بن بدر الدين.
(٣) ((طبقات المعتزلة)) لأحمد يحيى المرتضى (٨).
(٤) ((متشابه القرآن)) تحقيق عدنان زرزور (١/ ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>