٢ـ النساء: يجتمع عادة في المدن التجار والأغنياء وقادة الجند والأمراء فيشترون الأرض ويرغبون في زراعتها للإفادة من نتاجها واستثمار خيراتها أو قضاء بعض الأيام فيها يروحون فيها عن أنفسهم ويسرون مما فيها من ملذات ونعيم ولما كان هؤلاء لا يستطيعون الاستقرار في مكان لطبيعة علمهم ولا يزاولون هم الزراعة بأنفسهم لذا اقتضت المصلحة أن يستأجروا من يعمل لهم فيها إن لم يكن لهم أرقاء يشتغلون أو عبيد يعملون فكانوا يجلبون العمال من المناطق الفقيرة ... أو المواطن التي تعتمد على المطر في الري فإن أتتها سنوات عجاف اضطر أهلها إلى مغادرة أراضيهم يلتمسون العمل الذي اعتادوا عليه وهو الزراعة وكانت تستهوي هؤلاء العمال المواضع التي تتدفق فيها المياه فتجلبهم نحوها أو يستقدمه أولئك الأغنياء الذين ذكرنا وكان سواد العراق من هذه الأماكن التي توجه إليها هذه الفئات فاجتمع في هذه المنطقة جماعات كثيرة معظمها من الشباب الذين هم في سن العمل أو ممن لهم تطلعات نحو النساء وقد ابتعدوا عن أزواجهم إن كانوا من الذين سبق لهم أن تزوجوا وابتعدوا عن رقابة مجتمعاتهم ووجدوا في أنفسهم عاطفة إلى الأهل والوطن فانقلبت هذه العاطفة إلى رغبة في الجنس لتحل محلها أو تفكير في إيجاد الأهل وبناء الأسرة ولما لم تكن لديهم الإمكانات الكافية للزواج وبناء الأسرة فقد انقلب هذا الفقر أو الضعف إلى حقد على الأغنياء أو أصحاب الأرض وأهل الفتيات وحدثت رغبة جامحة في الحصول على الفتيات والنساء بأي شكل وأية طريقة وكان الجهل يطغى على أكثر أولئك الزراع الأمر الذي يجعل الوازع عندهم ضعيفا فيمكن إيقاعهم في الحبائل وجعل النساء لهم شركا عظيما يندفعون وراءه ليحققوا رغباتهم ويؤمنوا شهواتهم ويحصلوا على العاطفة الآنية كانت النساء المصيدة الأولى لهم والسلاح الماضي الذي استعمله القرامطة بل والزنج من قبلهم في المنطقة نفسها إذ دخلوا البصرة وارتكبوا فيها أبشع أنواع الجرائم وهتك الأعراض.
لهذا أمر (قرمط) الدعاة له بأن يجمعوا النساء في ليلة عينها ويخلطوهن بالرجال حتى يتراكبن وقال هذا من صحة الود والألفة كما أن أبا سعيد الجنابي قد أدخل زوجه على ضيفه وطلب منها ألا تمنعه من نفسها كما أباح القرامطة للمقاتلين أن يرووا غرائزهم من نساء أهل المدن والقرى والقوافل التي يستبيحونها دون أي احتراز أو إمهال لمدة كما يدعي المسلمون.
٣ـ المال: وهو وسيلة أخرى اتخذها القرامطة للتأثير على الناس ولا شك أن أكثر العاملين في منطقة السواد من الفقراء وما انتقالهم إلى تلك الجهات إلا لوضعهم المادي الضعيف وكذلك القبائل التي تقيم على أطراف البادية أو في فيافيها المختلفة فإن أفرادها هم بحاجة إلى المال لتأمين بعض الحاجيات التي تستجد في مجتمعاتهم أو يرونها ضرورية لهم الأمر الذي يجعلهم ينظرون إلى المال على أنه غاية بحد ذاته إذا ما امتاز عنه السادة إلا بالمال وما منعهم من الحصول على الزواج من بنات الأثرياء إلا الفقر وكذلك فالوازع الإيماني عندهم ضعيف لجهلهم فالجهل والفقر مع غياب الإيمان يعدان من أكبر العوامل التي تجعل الإنسان يسير وراء كل ناعق أو مع كل متاجر بالألفاظ من الإصلاح أو الخير – حسب زعمهم – لتجد النفس لها المسوغ وهذا ما يتوفر في هذه المنطقة من الأرض بشكل واضح تماما.
أقام (قرمط) في كل قرية رجلا مختارا من الثقات عنده وأمر كل واحد منهم أن يجمع عنده أموال قريته ويجعلها اشتراكية بين أبناء القرية جميعها وذلك ليحصل الدعاة الذين لا يعملون والكسالى والمزاودون على لقمة العيش بل ويحصلوا على زيادة يتصرفون بها ويبذرون بصفتهم القيادية وحملهم المسؤولية.