وليس هذا أبدا في سبيل حصول القراء على المال أو مساواتهم بالأغنياء فإن هذا لا يكون ولا تستقيم معه الحياة فلا بد من وجود عمال يأخذون وأغنياء يدفعون إذ يمكن أن يعمل المسؤول عملا منقصا من شأنه وعلى الدوام يسخر المسؤول غيره ويعيش على حسابه ويدعي أنه لمصلحته يعمل ومن أجله قام وتسلم المسؤولية.
وفي اشتراكية المال والنساء تحقيق لمبادئ (مزدك) الذي يرتبطون معه بصلة العقيدة المجوسية ديانة الفرس القديمة التي هم أتباع لها ويتعصبون لها ولأهلها ويتطرفون في تعظيم رجالات الفرس ويغالون في رفعهم ويرى (مزدك) أن النساء والمال سبب المخالفة والمباغضة لذلك أباحهما.
٤ـ الفتوة: إن الشباب تغريهم مظاهر القوة لذا فهم ينخرطون في كل حركة تستهويهم بهذا المظهر وبخاصة إذا أمن لهم الجنس لما كان أكثر سكان السواد من الشباب لذلك أمر (قرمط) جماعته بشراء سكان حتى يندفع غيرهم نحوهم ويؤمن الزيادة في عدد أتباعه هذا فضلا عن إخافة الآخرين الذين يضطرون للالتحاق بهم حماية لأنفسهم وتأمينا لمصالحهم كما أمر القرمطي بتقديم العلف لهؤلاء الشباب من النساء.
٥ـ الحقد: ويجب ألا ننس الناحية النفسية عند العوام فالفقير يغريه المال فيجعله يحقد على صاحبه والأجير يحسد صاحب العمل على ما آتاه الله والشباب المليء بالشهوة الذي يرى الفتيات من بنات الأثرياء أمامه وهو مرهق بالعمل ولا يستطيع أن يحصل على الزواج فيشتهيهن والبدوي الذي يعيش في الشمس المحرقة ويتنقل في البيداء المقفرة يلتظى من العطش ويفتقر إلى الظل يتصور الظلال الوارفة فيتشوق إليها والمياه المتدفقة فيتمناها والثمار اليانعة فتتوق نفسه إليها والأشجار ذات القطوف الدانية فيرغب فيها ويرى هذا كله في جنوبي العراق في المناطق التي تجاور باديته ويضطر أحيانا للسفر إليها لأعماله الضرورية في الحاضرة أو قاعدة الملك أو مركز الجند يرى ذلك كله ويتمنى أن يتخلص من وضعه الذي هو فيه ويحصل ولو بقعة صغيرة ذات ظل ظليل وماء نمير وفواكه كثيرة بل يحارب من أجل هذا ويقاتل ولقد أثار القرامطة الحقد في نفوس الفقراء فمنوهم بامتلاك تلك الأراضي وأغروهم باستباحة أموال الناس وأملوهم بأخذ ما يرغبون من النساء.
لذا كانت هذه النماذج كلها الشباب ذوو الطاقات والفقراء أصحاب الإمكانات والأعراب المتقلبون مع الجهل الذي يجمعهم جميعا كانوا هم عماد الحركة القرمطية بل أساس كل ثورة تمنيهم وتلوح لهم بالحاجات التي يسعون إليها فهي العلف الذي يقدم لهم ويركضون وراءه ويسيرون حسب حركته كالسوائم من القطيع تتحرك وراء قبضة العشب وما على المستغلين إلا أن يوجهوهم.
ويجب هنا أن لا ننسى حقد صاحب الدعوة الأول وهو حمدان بن الأشعث (قرمط) الذي ينقم على مجتمعه لخلقته ويحقد على الناس لما هو عليه من القصر والدمامة ويظن أن الناس جميعا ينظرون إليه نظرة ازدراء فيملأ الغيظ نفسه ويتمنى تحطيم كل ما يعتقدون وتهديم كل ما يفكرون فيه ويحلم أن يكون السيد المطلق فيهم يوجههم حيث يشاء ويحركهم حسب الوجهة التي يريدها ويرسم لهم طريق الغواية ليضلهم ويبعدهم عما هم عليه يتبعونه كالقطيع ويتحركون حسب إشارته هذا إضافة إلى حقده على المسلمين جميعا الذين قضوا على دولة الفرس وديانتهم المجوسية والمسلمون يشكلون سكان المحيط الذي يعيش فيه .. فهم أعداؤه ويجب القضاء عليهم بأبعادهم عن كل شيء يجمعهم والإسلام كان عماد قوتهم وأساس وجودهم فيجب تهديمه ليستطيع العمل ويمكنه التفرقة.