للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيَّد ابن حزم القول بأن أطفال المشركين في الجنة، وكذا النووي، وقد توقف شيخ الإسلام في الحكم عليهم. وأما استباحة قتل النساء والذرية –كما يرى الخوارج- فقد أخطأوا حين جوزوا ذلك سواء كانوا من المسلمين أو من المشركين، فقد صحت الأحاديث بالمنع من قتلهم، إلا أن يكون ذلك في بيات لا يتميز فيه الأطفال والنساء فلا بأس من قتلهم إذا وقع دون عمد (١)

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ١/ ٢٩٢

هذا هو موقف الخوارج من مخالفيهم بصفة عامة، وإتماما للبحث، لابد من بيان موقفهم من أطفال مخالفيهم، لأنه لابد وأن يكون في حكم العقل تمييز بين معاملة الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف وبين الكبير المكلف، ونحب أن نبين موقف الخوارج، هل كانوا جميعا على هذا المبدأ الذي قدمناه أم كان بعضهم من الجفاء بحيث لا يميز بين الصغير والكبير في الحكم والمعاملة فيهم؟ وللإجابة عن ذلك نقول بصفة إجمالية: إن الخوارج لم يتفقوا على حكم واحد في الأطفال، سواء كان ذلك الحكم في الدنيا أو في الآخرة، فمنهم من عاملهم أشد المعاملة وأقساها فاعتبرهم في حكم آبائهم المخالفين، فاستباح قتلهم باعتبار أنهم مشركون من أهل النار كآبائهم، والمشرك بالطبع غير معصوم الدم.

ومنهم من اعتبرهم أبرياء يخطئ من يستبيح قتلهم أو الحكم عليهم بدخول النار، بل هم من أهل الجنة، وقد جعلهم بعضهم خدما لأهل الجنة.

ومنهم من توقف فيهم ما داموا تحت سن التكليف، إلى أن يبلغوا ويختاروا لأنفسهم الدين الذي يرتضونه، ومن هنا تحدد معاملتهم، ومنهم من تولى أطفال المؤمنين وتوقف في أطفال المشركين.

فمن حكم عليهم بأنهم تابعون لآبائهم في شركهم عاملهم في الدنيا بحسب ذلك الحكم، ومن تولاهم ورأى أنهم ليسوا بكفار وأن حكمهم ليس كحكم آبائهم – عاملهم بالحسنى في الدنيا؛ فحرم قتلهم وحرم القول فيهم بأنهم من أهل النار، ومن توقف فيهم عاملهم كذلك بالحسنى إلى أن يبلغوا مبلغ التكليف. وفيما يلي تفصيل هذا الإجمال:١ - أما القول باتباع أطفال المخالفين لآبائهم واعتبارهم مشركين كآبائهم تستباح دماؤهم، فهو قول الأزارقة، وقد عد العلماء هذا القول من بدع نافع بن الأزرق الذي تولى كبره هو وأتباعه، يقول الأشعري فيهم: "ويرون قتل الأطفال" (٢).ويوضح قولهم أيضا البغدادي، فيقول في بيانه لبدعهم: "ومنها أنهم استباحوا قتل نساء مخالفيهم، وقتل أطفالهم، وزعموا أن الأطفال مشركون، وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم مخلدون في النار" (٣).وهكذا عند الشهرستاني وابن حزم وابن الأثير. ويقول ابن الجوزي: "وأباح هؤلاء – يعني الأزارقة – قتل النساء والصبيان من المسلمين وحكموا عليهم بالشرك" (٤).

ومن البديهي أن يكون أطفال المخالفين عند الأزارقة تبعا لآبائهم في عذاب الآخرة، كما كانوا تبعا لهم في شركهم واستباحة دمائهم في الدنيا.


(١) انظر: ((التفسير القيم)) (ص٤٥١)، ((فتح القدير)) (٥/ ٩٨)، ((جامع البيان)) (٢٧/ ٢٥)، ((طريق الهجرتين)) (٣٨٧) , ((الفصل)) لابن حزم (٤/ ٧٤).
(٢) ((المقالات)) (١/ ١٧٠).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٢، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢١، ((الكامل)) لابن الأثير (٤/ ١٦٧، ((الفصل)) لابن حزم (٤/ ١٨٩).
(٤) ((تلبيس إبليس)) (ص٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>