للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ظن بعثمان أنه ولى قرابته أمور دولته عصبية بغض النظر عن صلاحهم؛ فهو كاذب مفتر، فعثمان قد صدق والله أنه تخير، وأن من ذكرهم جبلة بن عمرو على قصد الذم هم خير منه وأصلح وهم من أبطال المسلمين المشهورين ورافعي راية الإسلام، والتاريخ يشهد لهم بهذا، ومن جهل فضلهم فليراجع سيرهم بعد أن يتجرد عن التعصب والهوى، وليراجع كتب التاريخ ليرى إجابة عثمان عن كل تلك الاتهامات الكاذبة التي وجهها إليه الثوار. والواقع أن الأمر قد صار بالمسلمين بعد أن وصفهم الله بالألفة والأخوة في قوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: ١٠٣]، وفي قوله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: ٦٣]- صار بهم الأمر إلى عصبيات فرقتهم شيعا وأحزابا، وقد وصف ابن العربي حالتهم بعد هياج تلك العصبيات بقوله: " وصارت الخلائق عزين في كل واد من العصبية يهيمون، فمنهم بكرية – نسبة إلى أبي بكر-، وعمرية – نسبة إلى عمر بن الخطاب-، وعثمانية – نسبة إلى عثمان بن عفان-، وعلوية – نسبة إلى علي بن أبي طالب-، وعباسية – نسبة إلى العباس، كل تزعم أن الحق معها وفي صاحبها والباقي ظلوم غشوم مقتر من الخير عديم، وليس ذلك بمذهب ولا فيه مقالة، وإنما هي حماقات وجهالات أو دسائس للضلالات، حتى تضمحل الشريعة وتهزأ الملحدة من الملة، ويلهو بهم الشيطان ويلعب، قد سار بهم في غير مسير ولا مذهب " (١).وفيما يتعلق بموضوعنا وهو استمرار ظهور العصبية في عهد الإمام علي ومدى اعتبارها كسبب محرك لظهور الخوارج - فيما يتعلق بذلك نرى أن العصبية قد استمرت في هذا العهد بين القبائل وأنها كانت تحكم تصرفات الخوارج مع الإمام علي منذ البداية، فيروي نصر بن مزاحم المنقري أن أهل العراق وخصوصا الأشعث الذي عده الشهرستاني من الخوارج الذين خرجوا على علي (٢)؛ منعهم التعصب من قبول أي مضري حكما من قبل الإمام علي، وأبى إلا أحد اليمنيين وهو أبو موسى الأشعري؛ فيذكر نصر أن الأشعث قال لعلي: " لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة، ولكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا من مضر. فقال علي: إني أخاف أن يخدع يمنيكم؛ فإن عمرا ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هوى. فقال الأشعث: والله لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان (٣).ولهذا امتنعوا أيضا من إرسال عبد الله بن عباس للمفاوضة حين طلب إليهم علي ذلك لأنه قرشي ومن قرابته، ولم يقبلوا إلا أبا موسى وكانت لهم الكلمة في جيش علي. فيذكر المبرد أن جيش علي كان جله من اليمنيين (٤)، ويذكر الطبري أن بين اليمانية والمضرية عصبية (٥).


(١) ((العواصم من القواصم)) (ص١٨٩).
(٢) ((وقعة صفين)) (ص٥٧٣).
(٣) ((الكامل)) (٣/ ١١٦).
(٤) ((تاريخ الطبري)) (٧/ ٣٨٥).
(٥) ((تاريخ الطبري)) (٧/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>