للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال صاحب (بيان الاعتقاد): " والنبوة رحمة وموهبة بمشيئة الله تعالى فقط ولابد من معجزة وهي عبارة عما قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول الله" (١).

ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء ولكن القول بأن نبوة الأنبياء لا تعرف إلا بالمعجزات قول غير صحيح والدليل على هذا يظهر من عدة أوجه:١ - " إن المقصود إنما هو معرفة صدق مدعي النبوة أو كذبه فإنه إذا قال: إني رسول الله فهذا الكلام إما أن يكون صدقا وإما أن يكون كذبا ... فإذا كان مدعي الرسالة إذا لم يكن صادقا فلابد أن يكون كاذبا عمدا أو ضلالا فالتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما هو دون دعوى النبوة فكيف بدعوى النبوة" (٢)

٢ - " معلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغهم الرسالة ودعاهم إلى الإسلام: والله لا أقول لك كلمة واحدة إن كنت صادقا فأنت أجل في عيني من أرد عليك وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أرد عليك. فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم وما أحسن قول حسان

لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تأتيك بالخبر" (٣)

٣ - " ما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز وما من أحد ادعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدنى تمييز ... بل كل شخصين ادعيا أمرا من الأمور أحدهما صادق في دعواه والآخر كاذب فلا بد أن يبين صدق هذا وكذب هذا من وجوه كثيرة إذ الصدق مستلزم للبر والكذب مستلزم للفجور .... والناس يميزون بين الصادق والكاذب بأنواع من الأدلة حتى في المدعين للصناعات والمقالات كالفلاحة والنساجة والكتابة .... فما من أحد يدعي العلم بصناعة أو مقالة إلا والتفريق في ذلك بين الصادق والكاذب له وجوه كثيرة وكذلك من أظهر قصدا وعملا كمن يظهر الديانة والأمانة والنصيحة والمحبة وأمثال ذلك من الأخلاق فإنه لابد أن يتبين صدقه أو كذبه من وجوه متعددة. والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لابد أن يتصف بها الرسول وهي أشرف العلوم وأشرف الأعمال فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب ولا يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب من وجوه كثيرة" (٤).


(١) ((بيان الاعتقاد)) (ل ٢١، ٢٢).
(٢) ((الأصفهانية)) لابن تيمية (ص ٤٧٢، ٤٧٣). وانظر ((النبوات لابن تيمية)) (ص ١٦٧، ١٦٨).
(٣) ((الأصفهانية)) (ص ٤٧٣)، ((شرح الطحاوية)) (ص ١١٢).
(٤) ((الأصفهانية)) (ص ٤٧٤، ٤٧٦، ٤٧٧)، ((شرح الطحاوية)) (ص ١١٢، ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>