للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - " هذا المقام يشبه من بعض الوجوه تنازع الناس في أن خبر الواحد هل يجوز أن يقترن به من القرائن والضمائم ما يفيد معه العلم. ولا ريب أن المحققين من كل طائفة على أن خبر الواحد والاثنين والثلاثة قد يقترن به من القرائن ما يحصل معه العلم الضروري بخبر المخبر بل القرائن وحدها قد تفيد العلم الضروري كما يعرف الرجل رضا الرجل وغضبه وحبه وبغضه وفرحه وحزنه وغير ذلك مما في نفسه بأمور تظهر على وجهه يمكنه التعبير عنها كما قال تعالى: وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ [محمد:٣٠] ثم قال: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:٣٠] " فأقسم أنه لابد أن يعرف المنافقين في لحن القول .... وإذا كان صدق الخبر أو كذبه يعلم بما يقترن به من القرائن بل في لحن قوله وصفحات وجهه ويحصل بذلك علم ضروري لا يمكن المرء أن يدفعه عن نفسه فكيف بدعوى المدعي أنه رسول الله كيف يخفى صدقه وكذبه أم كيف لا يتميز الصادق في ذلك من الكاذب بوجوه من الأدلة لا تعد ولا تحصى" (١).

٥ - "وإذا كان الكاذب إنما يؤتى من وجهين إما أن يتعمد الكذب وإما أن يلبس عليه كمن يأتيه الشيطان فمن المعلوم الذي لا ريب فيه أن من الناس من يعلم أنه لا يتعمد الكذب ... ونحن لا ننكر أن الرجل قد يتغير ويصير متعمد للكذب بعد أن لم يكن كذلك لكن إذا استحال وتغير ظهر ذلك لمن يخبره ويطلع على أموره. ولهذا لما كانت خديجة رضي الله عنها تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه الصادق البار قال لها لما جاءه الوحي: ((إني قد خشيت على عقلي)) فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق (٢). فهو لم يخف من تعمد الكذب فإنه يعلم من نفسه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكذب لكن خاف في أول الأمر أن يكون قد عرض له عارض سوء وهو المقام الثاني فذكرت خديجة ما ينفي هذا وهو ما كان مجبولا عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والأعمال وهو الصدق المستلزم للعدل والإحسان إلى الخلق ومن جمع فيها الصدق والعدل والإحسان لم يكن ممن يخزيه الله. وصلة الرحم وقرى الضيف وحمل الكل وإعطاء المعدوم والإعانة على نوائب الحق هي من أعظم أنواع البر والإحسان وقد علم من سنة الله أن من جبله الله على الأخلاق المحمودة ونزهه عن الأخلاق المذمومة فإنه لا يخزيه" (٣).


(١) ((الأصفهانية)) (ص ٤٧٨،٤٧٩)، ((النبوات)) (ص ٣٣٩)، ((شرح الطحاوية)) (ص ١١٤).
(٢) رواه البخاري (٤٩٥٣) ومسلم (١٦٠) بلفظ نفسي بدل عقلي، ولم نجد من رواه بلفظ عقلي
(٣) ((الأصفهانية)) (ص ٤٧٩، ٤٨٠)، ((منهاج السنة)) (٢٢/ ٤١٩، ٤٢٠، ٨/ ٥٤٩)، ((شرح الطحاوية)) (ص ١١٤، ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>