للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - " طريق معرفة الأنبياء كطريق معرفة نوع من الآدميين خصهم الله بخصائص يعرف ذلك من أخبارهم واستقراء أحوالهم كما يعرف الأطباء والفقهاء ولهذا إنما يقرر الرب تعالى في القرآن أمر النبوة وإثبات جنسها بما وقع في العالم من قصة نوح وقومه وهود وقومه وصالح وقومه ... وغيرهم فيذكر وجود هؤلاء وإن قوما صدقوهم وقوما كذبوهم ويبين حال من صدقهم وحال من كذبهم فيعلم بالاضطرار حينئذ ثبوت هؤلاء ويتبين وجود آثارهم في الأرض فمن لم يكن رأى في بلدة آثارهم فليسر في الأرض ولينظر آثارهم وليسمع أخبارهم المتواترة .... ولهذا قال مؤمن آل فرعون لما أراد أن ينذر قومه: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر:٣٠ - ٣١] ولهذا لما سمع ورقة بن نوفل والنجاشي وغيرهما القرآن قال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي كان يأتي موسى وقال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. فكان عندهم علم بما جاء به موسى اعتبروا به ولولا ذلك لم يعلموا هذا وكذلك الجن لما سمعت القرآن وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأحقاف:٢٩ - ٣٠] ولما أراد سبحانه تقرير جنس ما جاء به محمد قال: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [المزمل:١٥ - ١٦] فهو سبحانه يثبت وجود جنس الأنبياء ابتداء كما في السور المكية حتى يثبت وجود هذا الجنس وسعادة من اتبعه وشقاء من خالفه ثم نبوة عين هذا النبي تكون ظاهرة ... " (١).

٧ - وإذا علمنا بالتواتر أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم علمنا علما يقينيا أنهم كانوا صادقين على الحق من وجوه متعددة:

منها أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أولئك وبقاء العاقبة لهم أخبارا كثيرة في أمور كثيرة وهي كلها صادقة لم يقع في شيء منها تخلف ولا غلط بخلاف من يخبر به ليس متبعا لهم ممن تنزل عليه الشياطين أو يستدل على ذلك بالأحوال الفلكية وغيرها وهؤلاء لابد أن يكونوا كثيرا بل الغالب من أخبارهم الكذب وإن صدقوا أحيانا ومن ذلك ما أحدثه الله تعالى من نصرهم وإهلاك عدوهم إذا عرف الوجه الذي حصل عليه كحصول الغرق لفرعون وقومه بعد أن دخل البحر خلف موسى وقومه كان هذا مما يورث علما ضروريا أن الله تعالى أحدث لهم هذا نصرا لموسى عليه السلام وقومه ونجاة لهم وعقوبة لفرعون وقومه ونكالا لهم وكذلك أمر نوح والخليل عليهما السلام وكذلك قصة الفيل وغير ذلك ومن الطرق أيضا أن من تأمل ما جاءت به الرسل عليهم السلام فيما أخبرت به وما أمرت به علم الضرورة أن مثل هذا لا يصدر إلا عن أعلم الناس وأصدقهم وأبرهم وأن مثل هذا يمتنع صدوره عن كاذب متعمد للكذب مفتر على الله يخبر عنه بالكذب الصريح أو مخطئ جاهل ضال يظن أن الله تعالى أرسله ولم يرسله.


(١) ((النبوات)) (ص ٣٧ - ٣٩)، وانظر (ص ٣٣٨، ٣٣٩)، ((الأصفهانية)) (ص ٤٨٠، ٤٨١)، ((شرح الطحاوية)) (ص ١١٥ - ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>