للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فالماتريدية خرجوا على أهل السنة والجماعة وعلى إمامهم الأعظم بشهادة هذا الإمام الأعظم، وفي ذلك لعبرة بالغة أيما عبرة. ومن العجب العجاب أن العلامة القاري اعترف بذلك (١).وهذا من محاسن هذا الرجل التي يشكر عليها وكم له من اعتراف بالحق ورجوعٍ إلى الصواب مواقف طيبةٍ من ذم الكلام وأهله وكشف الأستار عن مخازيهم، وبيان شكوكهم وتشكيكهم وشبهاتهم، ومناصرته للعقيدة السلفية في الجملة في بعض المواضع ودفاعه الشديد المتين عن شيخ الإسلام، والإمام ابن القيم ونحو ذلك مما ترغم أنوف الكوثرية (٢).ومن حسن حظه أن الكوثري لقبه بـ"ناصر السنة" (٣). وفي ذلك عبرة للكوثرية. المثال الثاني والثلاثون: صفة "المحبة" فقد عطلوها وحرفوها إلى "إرادة خيري الدنيا والآخرة" و"إيصال الخير إلى العبد" و"إرادة الثواب" (٤) ويكفي في الرد عليهم كلام الإمام أبي حنيفة السابق ذكره آنفاً.

المثال الثالث والثلاثون: صفة "الرحمة" لله تعالى: عطلت الماتريدية هذه الصفة التي تُحَرِّكُ القلوب وتثير العواطف وبها يرجو المسلمون عفو الله سبحانه وتعالى، كما أنهم حرفوا نصوصها إلى "إرادة الإنعام" أو"الإعطاء" ومعنى "الرحمن الرحيم" عندهم "معطي جلائل النعم" و"رحمة الله" عندهم "إنعامه، والتفضل، الإحسان" (٥).فأنت ترى أنهم أرجعوها إلى صفة الإرادة وإلى فعل من الأفعال كالإعطاء ونحوه، وعلى هذا الفنجفيرية من الماتريدية المعاصرة (٦).

وقد تقدم منهج الإمام أبي حنيفة وتصريحه بأن تفسير صفة بأخرى، وإرجاع صفة إلى أخرى تعطيلٌ لها وإبطال له، وهو مذهب المعتزلة وليس هذا من مذهب أهل السنة والجماعة. المثال الرابع والثلاثون: صفة "الضحك" لربنا سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهذه الصفة ثابتة له جل وعلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الماتريدية عطلوها وحرفوا نصوصها إلى "ظهور تباشير الخير" أو"العفو" و"الارتضاء"، ونحوها (٧).

المثال الخامس والثلاثون: صفة الغيرة لله عز وجل: فقد حرفوها وعطلوا نصوصها إلى "كراهية الإتيان إلى الفواحش" و"عدم رضاه" و"غضبه" أو "الزجر عن الفواحش" أو"التحريم لها" أو "المنع منها" أو غيرها من المجازات (٨).

ولم يكتفوا بمجاز واحد بل ارتكبوا المجاز في المجاز فقالوا: ولازم"ولازم الغضب إرادة إيصال العقوبة عليها" (٩).

فأنت ترى أنهم حرفوا صفة "الغيرة" بنوع من المجاز إلى "الغضب" و"عدم الرضا"، ثم حرفوا صفة "الغضب" إلى إرادة إيصال "العقوبة"، كما حرفوا صفة "الرضا" إلى ما سبق من المجاز.

فارتكبوا المجاز في المجاز فصارت - في هذا الباب - كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:٣٩] أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور:٤٠].المثال السادس والثلاثون: صفة "الحياء" وهي صفة تزيد للمؤمنين رجاءً فعطلوها وحرفوا نصوصها إلى "الترك" و"الامتناع" (١٠).

وتقدم تخريج حديث يتعلق بهذه الصفة. المثال السابع والثلاثون: صفة "الألوهية" تلك الصفة العظيمة التي هي غاية إنزال الكتب وإرسال الرسل وخلق الجن والإنس؛ فقد عطلوها وحرفوها إلى صفة "الربوبية" (١١).

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٢/ ٤٢٩


(١) انظر ((شرح الفقه الأكبر)) (ص ٥٩ - ٦٠).
(٢) راجع ((شرح الفقه الأكبر)) (ص ٤ - ١٧، ١٥ - ١٨، ٥٨، ٦١ - ٦٢، و ((المرقاة)) (٨/ ٢٥١ - ٢٥٢).
(٣) ((تبديد الظلام)) (٢/ ٤٥٠).
(٤) انظر ((مدارك التنزيل)) (١/ ٢٠٩ - ٢١٤)، ((عمدة القاري)) (٢٥/ ٨٤، ١٥٥) ((إرشاد العقل السليم)) (٣/ ٥١).
(٥) انظر ((مدارك التنزيل)) (١/ ٣)، (شرح المواقف)) (٨/ ٢١٢)، ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١١٥)، ((إرشاد العقل السليم)) (١/ ١١)، و ((نشر الطوالع)) (ص ٣١٢).
(٦) انظر ((التبيان للرستمي الفنجفيري)) (ص ٤٩).
(٧) ((شرح المواقف)) (٨/ ١١٤)، ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٢٧)، ((إشارات المرام)) (ص ١٨٩)، ((نشر الطوالع)) (ص ٢٦٣).
(٨) ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٠٠، ١٠٩).
(٩) ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٠٠، ١٠٩).
(١٠) انظر ((بحر العلوم لأبي الليث السمرقندي)) (١/ ٢٩٩)، و ((مدارك التنزيل)) (١/ ٣٤)، و ((إرشاد العقل السليم)) (١/ ٧١ - ٧٢).
(١١) انظر ((التبيان للرستمي الفنجفيري)) (ص ٥٨ - ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>