للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحقيقة أن هؤلاء الماتريدية ومن وافقهم من متأخري الأشعرية على باطل محض وفي تعطيل بحت في تأويلهم لصفة "البقاء" إلى "الوجود" لأن "البقاء" أخص من "الوجود" وأكمل منه، و"الوجود" أعم من "البقاء" لأن البقاء استمرار الوجود، وهو الوجود المستمر الأبدي الذي لا نهاية له، فهو وجود مقيد بالدوام والاستمرار والأبدية، وهذا المعنى زائد على مفهوم مطلق الوجود دون شك.

قاله الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:٢٦ - ٢٧]، فوجود الله تعالى أزلي وأبدي، وليس كذلك وجود خلقه سبحانه وتعالى فالله متصف بـ"الوجود" و"البقاء" معاً. الأمثلة السادس والعشرون إلى التاسع والعشرين: صفات "الاستواء" (١) و"النزول" و"الإتيان" و"المجيء" له تعالى، وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى فقد عطلوها وحرفوا نصوصها معنوياً.

المثالان الثلاثون والواحد والثلاثون: صفتا "الرضا" و"الغضب" له سبحانه وتعالى، نسأل الله رضاه ونعوذ به من غضبه جل وعلا. هاتان الصفتان عطلهما الماتريدية، وحرفوا نصوصهما اتباعاً للجهمية الأولى فحرفوا صفة "الغضب" إلى "الانتقام" و"إرادة الانتقام" (٢)، وحرفوا صفة "الرضى" إلى "الثواب" ونحوه (٣)، مع أن إمامهم الأعظم الإمام أبا حنيفة رحمه الله (١٥٠هـ) قال: "لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى، ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه" (٤).كما صرح الإمام أن تفسير صفةْ بأخرى مذهبُ المعتزلة، وأن ذلك إبطال لتلك الصفة (٥).


(١) بلغ إلحادهم إلى جعل "استوى" تورية. ((مختصر التفتازاني)) (ص ٣٢٤).
(٢) انظر ((مدارك التنزيل)) (١/ ٦)، ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١١٥)، ((إرشاد العقل السليم)) (١/ ١٩).
(٣) انظر ((شرح الفقه الأبسط)) لأبي الليث السمرقندي (ص ٢٣)، و ((نظم الدرر)) (ص ١٨٣) لعبيد الله الديوبندي المخرف المحرف لنص أبي حنيفة.
(٤) ((الفقه الأبسط)) (ص ٥٦)، تحقيق الكوثري وسكت عليه فلم يجد إلى دفعه سبيلاً و ((إشارات المرام)) (ص ١٨٧)، و ((عقيدة الإسلام)) (ص ١٦٢)، وقريب منه ما قال في ((الفقه الأكبر)) (ص ٥٩)، ((بشرح القاري وبشرح أبي المنتهى المغيساوي)) (ص ١٤).
(٥) ((الفقه الأبسط)) (ص ٥٦)، تحقيق الكوثري وسكت عليه فلم يجد إلى دفعه سبيلاً و ((إشارات المرام)) (ص ١٨٧)، و ((عقيدة الإسلام)) (ص ١٦٢)، وقريب منه ما قال في ((الفقه الأكبر)) (ص ٥٩)، ((بشرح القاري وبشرح أبي المنتهى المغيساوي)) (ص ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>