للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قصدهم بهذا التأويل أن "النور" ليس من أسمائه تعالى، ولا من صفاته، بل هو فعل من الأفعال المنفصلة عنه تعالى، أو معناه أن الله تعالى سبب لوجود الكائنات.

قال شيخنا العلامة عبدالله بن محمد الغنيمان بعد ما ذكر تأويلات المؤولين معقباً عليها:"قلت: هذا تأويل باطل ... " (١).وقال شيخ الإسلام: " ... جماهير المسلمين لا يتأولون هذا الاسم، وهذا مذهب السلفية، وجمهور الصفاتية من أهل الكلام، والفقهاء، والصوفية، وغيرهم وهو قول أبي سعيد بن كلاب، ذكره في الصفات ورد على الجهمية، تأويل اسم "النور" وهو شيخ المتكلمين في الصفاتية من الأشعرية - (الشيخ الأول) - وحكاه عنه أبو بكر بن فورك في كتاب (مقالات ابن كلاب)، والأشعري، ولم يذكروا تأويله إلا عن الجهمية المذمومين باتفاق، وهو أيضاً قول أبي الحسن الأشعري ذكره في الموجز ... " (٢).قلت: الحاصل أن هذه التأويلات باطلة وفي هذه كفاية (٣).المثال الخامس والعشرون: صفة "البقاء" ذهب جمهرة الماتريدية إلى أن "البقاء" هو الوجود وليس زائداً عليه، وذهب الإمام أبو الحسن الأشعري، وقدماء الأشعرية إلى أن "البقاء" صفة وجودية "ثبوتية" زائدة على "الجودة" (٤).ومال نور الدين الصابوني الماتريدي (٥٨٠هـ) إلى مذهب الأشعري في هذا، وناظر الفخر الرازي فيلسوف الأشعرية (٦٠٦هـ)، ولكنه انهزم أمام الرازي (٥)، والرازي كعادته خالف الأشعري في هذا كما خالف في مسائل أخرى كما أن كثيراً من متأخري الأشعرية الجهمية المعطلة مالوا إلى مذهب الماتريدية فنفوا صفة البقاء زائدةً على الوجود وقالوا البقاءُ هو الوجود نفسه (٦).وقد صرح بعض الأشعرية والماتريدية بأن الباقلاني (٤٠٣هـ) مال إلى مذهب الماتريدية (٧)، لكن رأيت في (تمهيده) خلاف ما ذكروه، فقد أثبت صفة "البقاء" وبوب لها فقال "باب البقاء من صفات ذاته" (٨)، بل قد صرح الإمام ابن فورك (٤٠٦هـ) بالإجماع على إثبات هذه الصفة (٩).


(١) شرح كتاب ((التوحيد)) في صحيح البخاري (١/ ١٧١).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٧٩)، و ((مختصر الصواعق)) (٢/ ١٩٦)، الطبعة القديمة، و (٢/ ٣٦٤)، الطبعة الجديدة، وشرح كتاب ((التوحيد)) من صحيح البخاري لشيخنا عبدالله بن محمد الغنيمان (١/ ١٧١).
(٣) وانظر الرد التفصيلي في ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٧٤ - ٣٩٦)، و ((مختصر الصوعق)) (٢/ ١٨٨ - ٢٩٥)، الطبعة القديمة، و (٢/ ٣٥٩ - ٣٦٩)، الطبعة الجديدة، و ((القصيدة النونية)) (ص ١٥٢)، و ((شرحها توضيح المقاصد)) (٢/ ٢٣٧ - ٢٤١)، ((هراس)) (٢/ ١٠٧ - ١٠٩)، وشرح كتاب ((التوحيد)) في صحيح البخاري (١/ ١٧٠ - ١٧٧)، لشيخنا عبدالله الغنيمان حفظه الله.
(٤) انظر من كتب الماتريدية: ((شرح المواقف)) (٨/ ١٠٦ - ١٠٩)، ((إشارات المرام)) (ص ٥٣)، ((نظم الفرائد)) (ص ٧ - ٨)، و ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (١٨ - ١٩)، ومن كتب الأشعرية ((مجرد مقالات الأشعري) لابن فورك (ص ٤٣)، و ((المواقف)) (ص ٢٩٦ - ٢٩٦)، و ((طوالع الأنوار مع شرحها مطالع الأنظار)) (ص ١٨٣).
(٥) انظر ((مناظرات الرازي في بلاد ما وراء النهر)) (ص ٢٣ - ٢٤).
(٦) انظر ((الإرشاد)) (ص ٩٠، ١٣٣)، لإمام الحرمين، و ((المحصل)) (ص ٢٥٢ - ٢٥٣) و ((مناظرات الرازي)) (ص ٢٣) كلاهما للرازي، و ((غاية المرام)) (١٣٥ - ١٣٦)، للآمدي، و ((المواقف)) (٢٩٦ - ٢٩٧).
(٧) انظر ((أصول الدين للبغدادي)) (ص ٩٠)، و ((المحصل)) للرازي (ص ٢٥٢)، و ((المواقف)) للإيجي (ص ٢٩٦)، و ((إشارات المرام)) للبياضي (ص ٥٣)، و ((طوالع الأنوار للبيضاوي مع شرحها مطالع الأنظار لأبي الثناء الأصبهاني)) (ص ١٨٣)، و ((نظم الفرائد)) (ص ٧).
(٨) انظر ((التمهيد)) (ص ٢٦٣).
(٩) انظر ((مجرد مقالات الأشعري)) لابن فورك (ص ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>