للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما "سعيد بن أبي هلال" فهو صدوق بل ثقة وثقة ابن سعد، والعجلي، أبو حاتم، وابن خزيمة، والدارقطني، وابن حبان، وآخرون. ولم يعرف لابن حزم سلفٌ في تضعيفه، غير أن الساجي حكى عن الإمام أحمد: أنه اختلط (١) ولم يقل أحد من أهل هذا الشأن - وإليهم المرجع في هذا الشأن - إن هذا الحديث إنما أخذه البخاري عنه في حال اختلاط "سعيد بن أبي هلال" إن صحت حكاية الساجي، بل تلقاه الأئمة بالقبول ورواه البخاري في صحيحه مستدلاً به على إثبات صفة الساق له سبحانه وتعالى، حتى جاء أشقى القوم فتعاطى فعقر. وأما "سويد بن سعيد الهروي" فصدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه (٢)، ولم يقل أحد أن مسلماً أخذ عنه في حال عماه، وشأن مسلم تعالى عن ذلك؛ على أن هذا الحديث مروي في (صحيح البخاري) من غير طريق سويد بن سعيد، فهل وجود "سويد" عند مسلم يضير هذا الحديث الصحيح الصريح؟!.ولا تخفى مكانة الصحيحين على أحد إلا على المغرضين الممرضين، ورجال الصحيحين قد جاوزوا القنطرة عند أهل هذا الشأن (٣). وقد ذكرنا نبذةً من مكانة الصحيحين وموقف الكوثري والكوثرية وبعض الحنفية منهما. ج- قال الكوثريُ: "من عادة أهل الزيغ حمل المجاز المشهور في القرآن على الحقيقة" (٤).

قلت: مذهب سلف هذه الأمة وأئمة السنة عدمُ تعطيل صفات الله تعالى وعدم تحريف نصوصها بالتأويلات، وحملها على الحقائق اللائقة بالله سبحانه كما تقدم في فصل التأويل مفصلاً.

أما أهل الزيغ وأئمة التعطيل والتحريف فيعطلون صفات الله تعالى ويحرفون نصوصها وقد تقدم قول الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (٢٢٤هـ) الذي يجعله الكوثري من كبار أئمة الحنفية، حول أحاديث "الرجل والقدم" ونحوها من أحاديث الصفات، ونصه: "نحن نروي هذه الأحاديث ولا نزيغ لها المعاني"، وتقدم أيضاً أن الكوثري سكت عليه فالآن نتحاكم إلى حكم الحق والإنصاف والعدل، وليتبين من هم أهل الزيغ؟! فلنعم ما قيل: "رمتنى بدائها وانسلت".

ولله در القائل:

فحسبكم هذا التفاوت بيننا ... وكل إناء بالذي فيه ينضح

وما أحسن ما قال القائل:

وقال السهى يا شمس أنت خفيةٌ ... وقال الدجى يا صبح لونك حالكٌ

المثال الرابع والعشرون: أن "النور" من أسماء الله الحسنى إذا أطلق عليه تعالى, وصفهٌ من صفاته جل وعلا إذا أضيف إليه سبحانه إضافة صفة إلى موصوفها أما إذا أضيف إلى غيره تعالى فلا يكون اسماً له تعالى، ولا صفة له بل خلقاً له (٥). ونظير ذلك: "الحق" فإنه يطلق على الله تعالى فيكون اسماً له سبحانه، ويطلق على صفاته جل وعلا (٦)، لكن الماتريدية وحلفاؤهم أولوا "النور" إلى أنه "ذو النور" و"الوجود" و"المنور" (٧).


(١) انظر ((التقريب)) (ص ٢٤٢)، و ((هدي الساري)) (ص ٤٠٦).
(٢) انظر ((التقريب)) (ص ٢٦٠).
(٣) انظر ((هدي الساري)) (ص ٣٨٤)، و ((فتح الباري)) (١٣/ ٤٥٧).
(٤) ((تعليقات على الأسماء والصفات)) (ص ٣٤٥).
(٥) راجع ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٧٩، ٣٨٣، ٣٨٦)، و ((القصيدة النونية)) (ص ١٥٢)، و ((اجتماع الجيوش الإسلامة)) (ص ٤٤ - ٤٥)، وما بعدها، و ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٢/ ١٨٩، ١٩٤) الطبعة القديمة، (٢/ ٣٥٩، ٣٦٢ - ٣٦٣) الطبعة الجديدة، وشرح كتاب ((التوحيد)) لشيخنا العلامة عبدالله بن محمد الغنيمان (ص ١٧٣ - ٧٦))، وانظر ((توضيح المقاصد)) (٢/ ٢٣٧ - ٢٤١)، ((شرح النونية)) (٢/ ١٠٥ - ١٠٩).
(٦) انظر ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٨٤).
(٧) راجع ((مدارك التنزيل)) للنسفي (٢/ ٥٠٨)، ((تبصير الرحمن)) (٢/ ٦٩)، لعلي بن أحمد الحنفي المهايمي (٨٣٥هـ) و ((عمدة القاري)) (٢٥/ ٩١)، و ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود العماري (٦/ ١٧٥)، و ((تاج التفاسير)) (٢/ ٤٠)، للمرغني الحنفي "١٢٦٨هـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>