للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحقيقة قول الماتريدية هذا أن للعباد إرادة غير مخلوقة وهي مبدأ الفعل فالعباد على مذهبهم يتصرفون بمبادئ أفعالهم باستقلال تام كما يشاؤون وخلق الله تعالى لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم غير المخلوقة وقولهم هذا قريب من قول المعتزلة. ولا شك أن قول الماتريدية هذا باطل لأن الله تعالى خالق كل شيء " ومعاذ الله والله أكبر وأجل وأعظم أن يكون في عبده شيء غير مخلوق له ولا داخل تحت قدرته ومشيئته فما قدر الله حق قدره من زعم ذلك ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق تعظيمه بل العبد جسمه وروحه وصفاته وأفعاله ودواعيه وكل ذرة فيه مخلوق لله خلقا تصرف به في عبده ... فهو عبد مخلوق من كل وجه وبكل اعتبار وفقره إلى خالقه وبارئه من لوازم ذاته وقلبه بيد خالقه وبين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء فيجعله مريدا لما شاء وقوعه منه كارها لما لم يشأ وقوعه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ... " (١).وهذا لا يعني أن العبد مجبور لا اختيار له بل إن الله تعالى خلقه على "نشأة وصفة يتمكن بها من إحداث إرادته وأفعاله وتلك النشأة بمشيئة الله وقدرته وتكوينه فهو الذي خلقه وكونه كذلك وهو لم يجعل نفسه كذلك بل خالقه وباريه جعله محدثا لإرادته وأفعاله وبذلك أمره ونهاه وأقام عليه حجته وعرضه للثواب والعقاب فأمره بما هو متمكن من إحداثه ونهاه عما هو متمكن من تركه ورتب ثوابه وعقابه على هذه الأفعال والتروك التي مكنه منها وأقدره عليها وناطها به وفطر خلقه على مدحه وذمه عليها مؤمنهم وكافرهم المقر بالشرائع منهم والجاحد لها فكان مريدا شائيا بمشيئة الله له ولولا مشيئة الله أن يكون شائيا لكان أعجز وأضعف من أن يجعل نفسه شائيا فالرب سبحانه أعطاه مشيئة وقدرة وإرادة وعرفه ما ينفعه وما يضره وأمره أن يجري مشيئته وإرادته وقدرته في الطريق التي يصل بها إلى غاية صلاحه .... " (٢).فأفعال العباد إذا هي أفعالهم حقيقة ومفعولة للرب تعالى إذ إن الفعل غير المفعول فالعبد فعل فعله حقيقة " والله خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته وسر المسألة أن العبد فاعل منفعل ... فربه هو الذي جعله فاعلا بقدرته ومشيئته وأقدره على الفعل وأحدث له المشيئة التي يفعل بها" (٣)

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص٤٣٨ - ٤٤٣


(١) ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص١٤٤).
(٢) ((شفاء العليل)) (ص ١٣٧، ١٣٨).
(٣) ((شفاء العليل)) (ص ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>