للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت معرفة الله وصفاته مقررة في الإسلام، فإن تعقيد هذه المعرفة ووجوب تحصيل الدليل عليها هو البدعة المنافية مع السنة الصحيحة. فهذا أبو هاشم (عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي ابن أبي علي الجبائي) من المعتزلة ذهب إلى أن (من لا يعرف الله بالدليل فهو كافر) لأن ضد المعرفة النكرة، والنكرة كفر (١).كما أن إبراهيم بن يسار النظام ذهب إلى أن المتمكن من المعرفة إن كان عاقلا (يجب عليه تحصيل معرفة الباري تعالى بالنظر والاستدلال) (٢).نعم أن التقليد مذموم. لذلك نجد بعض أهل السنة يوجب الاستدلال هو أيضا إلا أنه لم يرد به (التعمق في طرق المتكلمين) بل اكتفى بما لا يخلو عنه من نشأ بين المسلمين من الاستدلال بالمصنوع على الصانع، وغايته، أنه يحصل في الذهن مقدمات ضرورية تتألف تألفا صحيحا وتنتج العلم، لكنه لو سئل: كيف حصل له ذلك ما اهتدى للتعبير عنه (٣).ويقول ابن حجر لا حجة لمن اشترط النظر (لأن من لم يشترط النظر لم ينكر، أصل النظر، وإنما أنكر توقف الإيمان على وجود النظر بالطرق الكلمية، إذ لا يلزم من الترغيب في النظر جعله شرطا (٤).وإذا كان في النظر بالنسبة للجماهير مشقة لم يوجبها عليهم الشرع، فإن فيه بالنسبة للعلماء والمختصين (فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها) (٥).والذي يثبت مخالفة ما ذهب إليه المعتزلة من وجوب معرفة الله بالدليل ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)) (٦).ففي هذا الحديث كما يقول ابن حجر (دليل. . . على الاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة) (٧).وجاء عن معاوية بن الحكم قوله: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية فقلت: يا رسول الله, علي رغبة, أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله: أين الله؟ فقالت: في السماء فقال: ومن أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: فأعتقها)) (٨).

فبهذه المعرفة الأولية المجملة بالله وبرسوله ثبت لها الإسلام وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقها. وكتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى التوحيد ورسائله كلها تثبت أنه صلى الله عليه وسلم (لم يزد في دعائه. . . على أن يؤمنوا بالله ويصدقوه فيما جاء به من عنده، فمن فعل ذلك قبل منه سواء كان إذعانه عن تقدم نظر أم لا) (٩).

ب- إنكارهم لرؤية الله يوم القيامة:


(١) ((فتح الباري)) (١٧/ ١١٨).
(٢) ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٨).
(٣) ((فتح الباري)) (١٧/ ١١٨).
(٤) ((فتح الباري)) (١٧/ ١٢٢).
(٥) ((مقدمة ابن خلدون)) (٨٣٨).
(٦) رواه البخاري (٢٥) , ومسلم (٢٢) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٧) ((فتح الباري)) (١/ ٨٣).
(٨) رواه مسلم (٥٣٧).
(٩) ((فتح الباري)) (١٧/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>