للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهم تفصيل آخر بالنسبة لمرتكبي الذنوب إذا كانوا من موافقيهم أو مخالفيهم، وهو أن مرتكب الكبيرة إذا كان منهم فهو غير كافر، بل هو من أهل الولاية. وإذا كان من مخالفيهم فهو كافر من أهل النار، ثم زعموا أن موافقيهم إن عذبهم الله فلعله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم، ثم يدخلهم الجنة. قال الأشعري: "وتولوا أصحاب الحدود والجنايات من موافقيهم، وقالوا: لا ندري لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم، فإن فعل فإنما يعذبهم في غير النار بقدر ذنوبهم ولا يخلدهم في العذاب، ثم يدخلهم الجنة". وبنحو هذا قال البغدادي والشهرستاني (١) وقال ابن حزم عنهم: "وقالوا (أي النجدات): أصحاب الكبائر منهم ليسوا كفارا، وأصحاب الكبائر من غيرهم كفار" (٢).هذا بالنسبة لارتكاب الكبائر، أما الصغائر فلا يكفرون بها، كما قال عنهم الجيطالي في نصه الآتي: "وقالت النجدية منهم: الكبائر كلها شرك، وأما الصغائر فلا" (٣).ومثل هذه التفرقة في حكم مرتكب الكبيرة بين من يكون من الخوارج ومن يكون من غيرهم نجدها عند الحسينية، وهم من إباضية المغرب، فيرجئون الحكم في موافقيهم، وأما مخالفوهم المرتكبون للكبائر فهم عندهم كفار مشركون، وهذا هو ما يرويه الأشعري عن اليمان بن رباب من أن الحسينية يقولون "بالإرجاء في موافقيهم خاصة، كما حكي عن نجدة، ويقولون فيمن خالفهم: إنهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون" (٤).

وكأنهم بهذا الحكم الخاطئ يحاكون اليهود والنصارى فيما ذكره الله عنهم بقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:١٨]، والغريب في هذا التفكير أن يتصور الشخص أن صدور ذنب ما من الذنوب ثم يختلف الناس في حكم ارتكابه، فبعضهم يكفر به، والبعض الآخر لا يكفر به، أو مسكوت عنه، مع أن الكل من أهل التكليف، هذا هو اتباع الهوى والأماني الباطلة.

ولا شك أن النجدات بقولهم هذا يجمعون بين الخطأ في الرأي والتناقض في المذهب، فإلى جانب خطئهم في القول بتكفير مرتكبي الذنوب -كما سنبين ذلك فيما بعد- يتناقضون مع أنفسهم فيفرقون في ذلك الحكم بين من هو منهم، ومن هو من غيرهم، بينما لا فرق بين الاثنين في ارتكاب كل منهما للمعصية، وهو مناط الحكم بالكفر عندهم، بل لقد كان من هو منهم أولى بالتزام الشريعة والتكفير إذا اقترفت معصية ما دام رأيهم تكفير مرتكبي الكبيرة، بخلاف غيرهم ممن لا يرون هذا الرأي، ولا مجال للعصبية المذهبية في التفرقة بينهم وبين غيرهم ما دام مناط الحكم بالتكفير واحدا. وإلا فهو التفرقة بين المتماثلين، والتناقض في الجمع بين النقيضين: التكفير وعدمه في حق مرتكب الكبيرة ومثل ما قلناه هنا عن النجدات، نقوله عن الحسينية، فلا معنى للإرجاء والتوقف في حكم مرتكب الكبيرة إذا كان منهم ما دام مناط الحكم بالتكفير كما قلنا واحدا، وهو ارتكاب الكبيرة، وإلا فهو التفرقة بين المتماثلين والعصبية المذهبية.


(١) ((المقالات)) (١/ ١٧٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٩)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٤).
(٢) ((الفصل)) (٤/ ١٩٠).
(٣) ((قواعد الإسلام)) (ص٣٧).
(٤) ((المقالات)) (١/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>