للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم ما تقدم من أقوال مؤرخي الفرق من أن النجدات يكفرون أهل الكبائر، إلا أن هناك روايات تخالف ما ذكر عنهم، وهو أنهم لا يكفرون صاحب الكبيرة، أو يكفرونه كفر نعمة لا كفر ملة، على نحو ما تقوله الإباضية. وهذا ما أشار إليه الطالبي بقوله: "وأما النجدات فيروى عنهم أنهم لا يكفرون صاحب الكبيرة، وأنهم لا يكفرون عليا" (١)، ثم عزا هذا الرأي إلى عثمان العامري الحنبلي في كتابه المخطوط (منهج المعارج).وقد ذكر البغدادي عنهم تكفيرهم لمرتكبي الكبيرة كفر نعمة فقال: "وقالت النجدات منهم: إنه – يعني صاحب الكبيرة – كافر بنعمة، وليس بمشرك" (٢).

وهذا القول قاله البغدادي في كتابه (أصول الدين) بينما هو يذكر في كتابه (الفرق بين الفرق) كما أشرنا إليه سابقاً أن المصر على الذنب يكون مشركاً، وإن صغر هذا الذنب وكما فرق القائلون بتكفير مرتكبي الذنوب بين مرتكب الكبيرة أو الصغيرة، وكذلك بين من كان مصراً ومن لم يكن كذلك، إلى غير ذلك من الاعتبارات السابقة – فإن هناك من أصحاب هذا الرأي من يفرقون في هذا الحكم حسب اعتبارات أخرى. فالصفرية - كغيرهم من الفرق السابقة - يرون أن أهل الذنوب كفار، قال الأشعري: "ومن قول الصفرية وأكثر الخوارج أن كل ذنب مغلظ كفر وكل كفر شرك، وكل شرك عبادة للشيطان"، ونحوه عند البغدادي والجيطالي (٣).لكن قوماً من الصفرية يذهبون إلى التفرقة بين من ارتكب ذنباً فحد عليه، وحينئذ يكفر، أو لم يحد عليه، فيبقى على الإيمان إلى أن يحد، وهذا ما يرويه الأشعري حكاية عن اليمان بن رباب الخارجي بقوله: "وحكى اليمان بن رباب الخارجي أن قوماً من الصفرية وافقوا بعض البيهسية على أن كل من واقع ذنباً عليه حرام لا يشهد عليه بأنه كفر حتى يرفع إلى السلطان ويحد عليه، فإذا حد عليه فهو كافر، إلا أن البيهسية لا يسمونهم مؤمنين ولا كافرين حتى يحكم عليهم. وهذه الطائفة من الصفرية يثبتون لهم اسم الإيمان حتى تقام عليهم الحدود. وهكذا عند البغدادي (٤).

وينظر بعض الصفرية في الحكم بالتكفير إلى العمل نفسه، فإن وجد له حد في كتاب الله، كالزنا والسرقة والخمر والقتل، فلا يسمى صاحبه إلا بذلك الاسم، فيقال له: زان وسارق وشارب خمر هكذا، وحكمه أنه غير كافر، ولكنه ليس بمؤمن أيضاً، وفي هذا رفع للنقيضين كما لا يخفى. أو لم يوجد له حد مبين في كتاب الله، كترك الصلاة والحج والصوم ونحو ذلك، فمرتكبه كافر وليس بمؤمن كذلك. يقول البغدادي: "وقد زعمت فرقة من الصفرية أن ما كان من الأعمال عليه حد واقع لا يسمى صاحبه إلا بالاسم الموضوع له، كزان وسارق وقاذف وقاتل عمد وليس صاحبه كافراً ولا مشركاً، وكل ذنب ليس فيه حد كترك الصلاة والصوم- فهو كفر وصاحبه كافر، وأن المؤمن المذنب يفقد اسم الإيمان في الوجهين جميعا" (٥). ونحو هذا عند الشهرستاني وابن حزم.

وفيما يتعلق بالبيهسية، فإنهم يرون أن أهل الذنوب مشركون، ومثلهم من جهل الدين، إلا في ذنب لم يحكم الله فيه بتغليظ عذاب فاعله، فهذا مغفور.


(١) ((آراء الخوارج)) (ص١٤٢) عن (منهج المعارج) (ص٣٥٠).
(٢) ((أصول الدين)) (ص٢٥٠).
(٣) ((المقالات)) (١/ ١٩٦)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٩١)، ((قواعد الإسلام)) (ص٣٩).
(٤) ((المقالات)) (١/ ١٩٧)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٩١).
(٥) ((الفرق بين الفرق)) (ص٩١، ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٧)، ((الفصل)) (٤/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>