للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - وقال قوم: بل يتأول بمجيء ثوابه. وهؤلاء جعلوا الرواية في جنس الحركة، دون بقية الصفات.٥ - وقال قوم – منهم ابن عقيل وابن الجوزي -: بل يتعدي الحكم من هذه الصفة إلى سائر الصفات التي تخالف ظاهرها، للدليل الموجب لمخالفة الظاهر" (١).

ويلاحظ أن الأقوال الثلاثة الأخيرة تصحح نسبة التأويل إلى الإمام أحمد، وتجعل ذلك حجة لها على مذهبها المائل إلى الأشاعرة كما هو قول ابن الزاغوني وغيره، أو ما هو أشد غلوا منهم في التعطيل والنفي كما هو المشهور من مذهب ابن عقيل وابن الجوزي. وقد نفى شيخ الإسلام بشكل قاطع ما نسب إلى الإمام أحمد من التأويل وقال: "لا ريب أن المنقول المتواتر عن أحمد يناقض هذه الرواية، ويبين أنه لا يقول إن الرب يجيء ويأتي وينزل أمره، بل هو ينكر على من يقول ذلك (٢) " وقال: "والصواب أن جميع هذه التأويلات مبتدعة، لم يقل أحد من الصحابة شيئا منها ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، وهي خلاف المعروف المتواتر عن أئمة السنة والحديث، كأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة" (٣). وهذه رسائل وأقوال الإمام أحمد مشهورة معروفة، وما من مسألة من مسائل أصول الدين إلا وله فيها كلام، ولم يرد فيها ما يخالف مذهب السلف، ولذلك عده الناس إماما لأهل السنة بسبب ما ابتلي به من المخالفين من أهل الأهواء الذين ناظرهم وبين بطلان أقوالهم، وهو في ذلك متبع لمن قبله من أئمة السلف (٤).وإذا كان هذا هو المتواتر عن الإمام أحمد فلابد من النظر إلى رواية حنبل – في المحنة – على أنها رواية فردة خالفت المشهور عنه، ولهذا قال القاضي أبو يعلى بعد ذكره لرواية حنبل، وتغليط ابن شاقلا له: "وقد قال أحمد في رواية أبي طالب، هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [البقرة: ٢١٠]، وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢] من قال إن الله لا يرى فقد كفر، وظاهر هذا أن أحمد أثبت مجيء ذاته لأنه احتج بذلك على جواز رؤيته، وإنما يحتج بذلك على جواز رؤيته إذا كان الإتيان والمجيء مضافا إلى الذات" (٥).

وخلاصة الجواب عن رواية حنبل – في المحنة -:

١ - إما أن يقال هذه من مفاريده وقد خالفت المتواتر والمشهور عنه.

٢ - وعلى فرض ثبوت هذه الرواية فيقال: أن الإمام قال هذا إلزاما لخصومه وقد قال شيخ الإسلام على هذا الاحتمال: "وهذا قريب".

وشرحه في موضع آخر فقال: "ومنهم من قال: بل أحمد قال ذلك على سبيل الإلزام لهم، يقول: إذا كان أخبر عن نفسه بالمجيء والإتيان، ولم يكن ذلك دليلا على أنه مخلوق، بل تأولتم ذلك على أنه جاء أمره، فكذلك قولوا: جاء ثواب القرآن، لا أنه نفسه هو الجائي، فإن التأويل هنا ألزم، فإن المراد هنا الإخبار بثواب قارئ القرآن، وثوابه عمل له، لم يقصد به الإخبار عن نفس القرآن.


(١) ((الاستقامة)) (١/ ٧٥ - ٧٦).
(٢) ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (٥/ ٤٠١).
(٣) ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (٥/ ٤٠٩).
(٤) انظر: ((نقض التأسيس – مخطوط –)) (٣/ ٩٧ - ١٠٣).
(٥) ((إبطال التأويلات – مخطوط –)) (ص: ٦١ - ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>