للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعجيب أن هؤلاء المعطلة – يعظم عندهم مثل هذين النقلين – مع ما فيهما من كلام كما سيأتي – وأما النصوص المتواترة المشتهرة عن الإمام أحمد في إثبات الصفات، والرد على الجهمية وأتباعهم، والتحذير من الخوض في علم الكلام وتأويل الصفات – فهذه لا حاج فيها عندهم على مذهب هذا الإمام الموافق لمذهب السلف، وغاية ما يقولون فيها أن الإمام أحمد إنما أراد بها التفويض!.ومع ذلك فلا حجة لهم فيما نقوله عن هذا الإمام، وبيان ذلك كما يلي: أما النقل الأول – الذي ذكره الغزالي والرازي – فقد قال فيه شيخ الإسلام "هذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي الذي ذكر عنه أبو حامد مجهول لا يعرف: لا علمه بما قال، ولا صدقه فيما قال" (١)، والدليل على ذلك اختلاف نقل الرازي عن نقل الغزالي، وله احتمالات: أن يكون الرازي غلط في النقل عن الغزالي، أو أن الغزالي نقل في كتاب آخر – غير (الإحياء) – خلاف ما ذكره في (الإحياء)، قال شيخ الإسلام: "وعلى التقديرين فيعلم أن هذا النقل الذي نقله غير مضبوط" (٢). وقال أيضا عن الغزالي، وعدم علمه بالحديث وشهادته على نفسه بأن بضاعته فيه مزجاة: "ولهذا في كتبه من المنقولات المكذوبة الموضوعة ما شاء الله، مع أن تلك الأبواب يكون فيها من الأحاديث الصحيحة ما فيه كفاية وشفاء، ومن ذلك هذا النقل الذي نقله عن أحمد، فإنه نقله عن مجهول لا يعرف، وذلك المجهول أرسله إرسالا عن أحمد، ولا يتنازع من يعرف أحمد وكلامه أن هذا كذب مفترى عليه، ونصوصه المنقولة عنه بنقل الإثبات والمتواتر عنه يرد هذا الهذيان الذي نقله عنه ... " (٣).

ثم إن هذه الأحاديث التي أوردها الغزالي والرازي ليس فيها ما يوجب التأويل؛ لأن دلالاتها واضحة، فزعمهم أنها – أو غيرها من الأحاديث – بحاجة إلى التأويل، أو أن الإمام أحمد قد تأولها، لا يفيدها شيئا في هذا الباب ولهذا ناقش شيخ الإسلام هذه الأحاديث وغيرها، وبين ما فيها، -وقد سبق قبل قليل نقل كلامه فيها -.

وخلاصة القول:

١ - أن هذا النقل غير صحيح، ولم يورده أحد في مسائل وكلام الإمام أحمد.

٢ - أن النقول الكثيرة عن الإمام أحمد تدل على إثباته ومنعه من التأويل.

٣ - أن هذه الأحاديث لا حجة فيها لهم، لأن ما فهموه من الظواهر الفاسدة، قد دلت النصوص نفسها على أنه غير وارد.

أما النقل الثاني – الذي أورده حنبل في سياق المحنة – فقد ذكر شيخ الإسلام – أن الحنابلة اختلفوا في هذه الرواية على خمس طرق:

١ - "قال قوم: غلط حنبل في نقل الرواية، وحنبل له مفاريد ينفرد بها من الروايات في الفقه. والجماهير يرون خلافه.

وقد اختلف الأصحاب في مفاريد حنبل التي خالفه فيها الجمهور، هل تثبت روايته؟ على طريقين، فالخلاف وصاحبه قد ينكرانها، ويثبتها غيرهما كابن حامد.

٢ - وقال قوم منهم: إنما قال ذلك إلزاما للمنازعين له، فإنهم يتأولون مجيء الرب بمجيء أمره، قال: فكذلك قالوا: مجيء كلامه مجيء ثوابه. وهذا قريب.

٣ - وقال قوم منهم: بل هذه الرواية ثابتة في تأويل ما جاء من جنس الحركة والإتيان والنزول، فيتأول على هذه الرواية بالقصد والعمد لذلك، وهذه طريقة ابن الزاغوني وغيره.


(١) ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٩٨)، وانظر: ((درء التعارض)) (٧/ ١٤٩ - ١٥٠).
(٢) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ٩٤).
(٣) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>