للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن الأعراض لا تبقى زمانين متتاليين، بل يطرأ عليها التغير والتحول؛ فهي حادثة. والجواهر لا تتعرى عن الأعراض؛ بل هي ملازمة لها.

نتيجة:

١ - ما دامت الجواهر لا تنفك عن الأعراض؛ فهي حادثة بحدوثها؛ لأن ما لازم الحادث، فهو حادث.

٢ - ما دام العالم مكونا من الجواهر والأعراض - وقد ثبت حدوثها -؛ فالعالم حادث، وكل حادث لابد له من محدث.

فالنتيجة التي توصل إليها هؤلاء - أعني الأشاعرة - بعد كل هذه المقدمات، كالنتيجة التي سبقهم إليها أسلافهم من الجهمية والمعتزلة؛ وهي الاستدلال على حدوث العالم بحدوث ما فيه من جواهر وأعراض، ومن ثم الاستدلال بحدوث العالم على وجود الله سبحانه وتعالى.

المصدر:الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا - ١/ ٣٧٧

وجه استدلال الكلابية والأشعرية بدليل الأعراض وحدوث الأجسام على مذهبهم في الصفاتسبق الكلام عن تلقف الكلابية والأشعرية لدليل الأعراض وحدوث الأجسام، وتلقيهم له عن الجهمية والمعتزلة، وقولهم - مثل أسلافهم-: الأجسام لا تخلو من الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث؛ لأن ما لا يخلو من الحوادث ولا يسبقها، يكون معها، أو بعدها. وما كان من الحادث، أو بعده، فهو حادث، وطريقتهم في ذلك قريبة من طريقة الجهمية والمعتزلة (١).بيد أنهم خالفوا الجهمية، والمعتزلة - أسلافهم في هذا الباب - في تسمية الصفات أعراضاً؛ فنفوا أن تسمى كذلك، زاعمين أن العرض لا يبقى زمانين، أما صفات الله الذاتية الأزلية فهي باقية (٢).وقد نقل الرازي اتفاق الأشعرية جميعاً على أن: "العرض لا يبقى زمانين" (٣)، وتبعه الإيجي على نقل هذا الإجماع (٤).

والكلابية والأشعرية قالوا بإبطال حوادث لا أول لها؛ زاعمين أن القوال بحوادث لا أول لها يستلزم التسلسل. وقولهم بامتناع حوادث لا أول لها: حدا بهم في الحقيقة إلى نفي الأفعال القائمة بذات الله تعالى، والمتعلقة بمشيئته واختياره (٥).فالنزول، والاستواء، والمجيء، والإتيان والرضى، والغضب، والفرح، والضحك، .. إلخ: كلها عند هؤلاء لا تقوم بالله تعالى متعلقة بمشيئته - جل وعلا - وقدرته (٦).

وهم وإن خالفوا المعتزلة في جواز قيام الصفات بالله تعالى، وفي تسمية الصفات أعراضاً - فقالوا: نحن نقول بقيام الصفات بالله تعالى، ولا نسميها أعراضاً؛ لأن صفات الله عندنا باقية بخلاف الأعراض القائمة بالمخلوقات - إلا أنهم سموا الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله تعالى وإرادته حوادث، وقالوا بنفيها، طرداً لدليل الأعراض وحدوث الأجسام، فقالوا: لو قامت به، للزم ألا يخلو منها؛ لأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.


(١) انظر ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (٩/ ١٣٢). وكتاب ((النبوات)) له (ص: ١٩٨).
(٢) انظر: ((شرح حديث النزول)) لابن تيمية (ص: ١٥٧ - ١٥٨). و ((مجموع الفتاوى)) له (١٢/ ٣١٦). و ((النبوات)) له (ص: ٢٠٢). و ((نقض أساس التقديس)) - مطبوع - له (١/ ١٠٢). و ((درء تعارض العقل والنقل)) له (١/ ٣٠٦، ٣/ ٤٣٤).
(٣) نقل ذلك في كتابه ((محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين)) (ص: ٢٦٥).
(٤) نقل ذلك في كتابه ((المواقف في علم الكلام)) (ص: ١٠١).
(٥) انظر: كتاب ((الصفدية)) لابن تيمية (١/ ١٢٩). و ((رسالة في الصفات الاختيارية)) له - ضمن ((جامع الرسائل والمسائل)) (٢/ ٦ - ١٠). و ((درء تعارض العقل والنقل)) له (٨/ ١٧٣).
(٦) انظر ((شرح حديث النزول)) لابن تيمية (ص: ٦٣). - وانظره ((ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (٥/ ٤١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>