للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - ألا يفرغا. وهو الفرض في القضية "حوادث لا أول لها". وهو باطل أيضا؛ لأنه يلزم منه المساواة بين مختلفين، وهذا مستحيل؛ لتحقيق الزيادة في أحدهما.٣ - أن يفرغ أحدهما قبل الآخر. فإذا فرغت السلسلة الثانية، لزم أن تفرغ السلسلة الأولى أيضاً؛ لأن بينهما قدراً متناهيا "ما بين الطوفان إلى الهجرة"، والزائد على الشيء بقدر متناه، يكون متناهياً أيضاً (١).وقد مثل الجويني لهذا الدليل بقوله: "مثال إثبات حوادث لا أول لها: قول القائل لمن يخاطبه: لا أعطيك درهما، إلا وأعطيك قبله ديناراً، ولا أعطيك ديناراً إلا وأعطيك قبله درهماً؛ فلا يتصور أن يعطي على حكم شرطه ديناراً ولا درهما" (٢).

خامساً: إثبات أن كل حادث لابد له من محدث: وطريقة إثبات صحة ذلك عند الجويني: "أن الحادث جائز الوجود؛ إذ يجوز تقدير وجوده بدلا عن عدمه، ويجوز تقدير عدمه بدلا عن وجوده. فلما اختص بالوجود الممكن بدلاً عن العدم الجائز، افتقر إلى مخصص؛ وهو الصانع تعالى" (٣).فلما استوى الحادث في جواز وجوده، وجواز عدمه، كان لابد من مرجح يرجح أحدهما على الآخر؛ يرجح الوجود، أو يرجح العدم، وهذا مستبين على الضرورة (٤).

وهذا المرجح المخصص لا يخلو أن يكون واحداً من ثلاثة:

إما علة موجبة لمعلولها.

- وإما طبيعة.

- وإما فاعلاً مختاراً.

فكون المرجح المخصص علة موجبة لمعلولها: باطل؛ لأن العلة التامة يجب أن يقارنها معلولها.

والعلة التامة بين حالتين؛ إما أن تكون قديمة، وإما أن تكون حادثة.

فلو كانت قديمة: للزم قدم المعلول، وهو العالم؛ وهذا باطل؛ إذ الأدلة على حدوثه كثيرة. ولو كانت حادثة: لافتقرت إلى محدث مخصص، والمحدث يفتقر إلى آخر، وهكذا، حتى ينتهي الأمر إلى إثبات حوادث لا أول لها - وهو التسلسل (٥) -

وقد تقدم برهان بطلانه.

وكون المرجح المخصص طبيعة: باطل أيضاً. فيستحيل "أن يكون مخصص العالم طبيعة؛ كما صار إليه الطبائعيون" (٦)؛ لأن تلك الطبيعة لا تخلو: إما أن تكون قديمة، أو حادثة."فإن كانت قديمة، لزم قدم آثارها؛ فإن الطبيعة عند مثبتها لا اختيار لها، وهي موجبة آثارها عند ارتفاع الموانع. وقد صح حدوثها" (٧)، فإن كانت الطبيعة قديمة لزم قدم آثارها، وقد وضح حدوث العالم."وإن كانت الطبيعة حادثة، افتقرت إلى طبيعة أخرى، ثم الكلام في تلك الطبيعة، كالكلام في تلك الطبيعة، كالكلام في هذه الطبيعة، وينساق هذا القول إلى إثبات حوادث لا أول لها، وقد تبين بطلان ذلك" (٨)."فوضح بذلك أن مخصص العالم: صانع، مختار، موصوف بالاقتدار والاختيار" (٩).

وبهذه البراهين والدعاوى توصل الجويني إلى إثبات حدوث العالم متبعا في ذلك طريقة أسلافه من المعتزلة، ومن اتبعهم ..

وقد أثبت ذلك بإثبات حدوث الأجسام، مستنداً إلى أصل الأصول في هذا الدليل - عندهم-؛ وهو: "ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث"، أو "ما لا يسبق الحوادث فهو حادث" ....

وقد سلك المتأخرون في ذلك مسلك المتقدمين، وتلخصت طريقتهم بأن:

العالم ينقسم إلى جواهر وأعراض.


(١) انظر: في تحرير ذلك: ((المواقف)) للإيجي (ص: ٩٠). و ((الأربعين)) للرازي (ص: ١٥). و ((شرح المقاصد)) للتفتازاني (٢/ ١٢٠ - ١٢٢).
(٢) ((الإرشاد)) للجويني (ص: ٤٧).
(٣) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٩١).
(٤) انظر ((الإرشاد)) للجويني (ص: ٤٩).
(٥) انظر ((الإرشاد)) للجويني (ص: ٤٩ - ٥٠).
(٦) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٩١).
(٧) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٩١). وانظر ((الإرشاد)) للجويني (ص: ٥٠).
(٨) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٩٢).
(٩) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>