للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: إثبات استحالة تعري الجواهر عن الأعراض:

الجوهر: لا يخلو عن كل جنس من الأعراض.

والعرض: إما أن يقدر له ضد، أو يقدر أنه لا ضد له؛ فالحركة ضدها السكون، والاجتماع ضده الافتراق، واللبث ضده الزوال، وهكذا.

فلو قدر أن للعرض ضدا: فلا يخلو الجوهر عن أحد الضدين. أما إذا قدر أن ليس ضد للعرض؛ فالجوهر لا يخلو عن قبول واحد من جنسه، وهذا مستحيل باتفاق الأشاعرة (١).

ويعلم ببديهة العقول: استحالة تعري الأجسام عن الاتصاف بالسكون، والحركة، والتأثير في المحال، والزوال، والانتقال، وكلها أعراض."وكل ذلك يوضح استحالة تعري الجواهر عن الأعراض" (٢).

وثمة دليل آخر على استحالة تعري الجواهر عن الأعراض، وهو دليل اضطراري مفاده أن الجواهر الشاغلة للأحياز: لا تخلو عن الاجتماع والافتراق، وهذا مما يعلم بديهة. يقول الجويني: "والدليل على استحالة تعري الجواهر عن الأعراض: أن الجواهر شاغلة للأحياز، والجواهر الشاغلة للأحياز، غير مجتمعة ولا متفرقة بحال، بل باضطرار يعلم أنها لا تخلو عن كونها مجتمعة أو متفرقة" (٣).

فالجواهر ليست ملازمة لحال واحدة أبداً، بل لا تخلو عن اجتماع، أو افتراق."وذلك يقضي باستحالة خلوها عن الاجتماع والافتراق" (٤).

رابعاً: إثبات استحالة حوادث لا أول لها:

هذا الكلام مبني على قولهم: "ما لا يسبق الحوادث، أو ما لا يخلو عن الحوادث، فهو حادث".

فقد زعموا أن الأجسام لا تخلو من كل جنس من أجناس الحوادث؛ إذ القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث؛ لامتناع حوادث لا أول لها.

وقد أثبتوا امتناع حوادث لا أول لها بالطريقة التالية:

قالوا: حقيقة الحادث: ما له أول. ولما كان حقيقة كل حادث ما له أول، كان حقيقة كل الحوادث - مهما كثرت - ما لها أول (٥)."وهكذا كالجوهر؛ فإن حقيقة الجوهر: كونه متحيزا، فبالكثرة لا يخرج عن حقيقته، ويكون الكل متحيزا. فكذلك ههنا: إذا ثبتت الأعراض، وثبت حدوثها، وثبت استحالة تعري الجواهر عنها، وبطل قول الدهري: بأن الحوادث لا أول لها: فيترتب على ذلك أن الجواهر لا تسبق الأعراض الحادثة، وما لا يسبق الحوادث حادث على الاضطرار، من غير حاجة إلى نظر وافتكار" (٦).

وقد احتاجوا في إثبات امتناع حوادث لا أول لها إلى الرد على الدهري في قوله: عن الحوادث لا أول لها ...

وسلكوا في الرد على ذلك: "برهان التطبيق": وخلاصته أن ما لا يتناهى إذا فرض فيه سلسلتان؛ سلسلة من الطوفان على ما لا نهاية في القدم أيضا. ثم يطبق بينهما، فكلما طرح من السلسلة الأولى واحد، طرح من السلسلة الثانية مقابله؛ واحد أيضا، وهكذا.

وهذا لا يخلو الحال من أحد ثلاثة أمور:

١ - إما أن يفرغا معا، وهذا خلاف الفرض، ويلزم منه مساواة الناقص للزائد.


(١) انظر ((الإرشاد)) للجويني (ص: ٤٤).
(٢) ((لمع)) الأدلة للجويني (ص: ٨٩). وانظر ((الإرشاد)) له (ص: ٤٤).
(٣) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٨٩).
(٤) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٨٩).
(٥) ((انظر لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٩٠).
(٦) ((لمع الأدلة)) للجويني ((ص: ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>