للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل الآخر الذي اتفق عليه أيضا قدماؤهم ومتأخروهم نفي الصفات الاختيارية عن الله عز وجل ويعبرون عنها بنفي حلول الحوادث بذات الله عز وجل وذلك مثل صفة الكلام, والرضى والغضب, والفرح, والمجيء, والنزول, ونحوها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فلما كان من أصل ابن كلاب ومن وافقه, كالحارث المحاسبي, وأبي العباس القلانسي, وأبي الحسن الأشعري, والقضاة: أبي بكر بن الطيب وأبي يعلى بن الفراء وأبي جعفر السمناني, وأبي الوليد الباجي وغيرهم من الأعيان كأبي المعالي الجويني وأمثاله, وأبي الوفاء بن عقيل, وأبي الحسن ابن الزاغوني وأمثالهما: أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته, ويعبرون عن هذا بأنه لا تحله الحوادث ووافقوا في ذلك للجهم بن صفوان, وأتباعه من الجهمية والمعتزلة, صاروا فيما ورد في الكتاب والسنة من صفات الرب على أحد قولين: إما أن يجعلوها كلها مخلوقات منفصلة عنه فيقولون: كلام الله مخلوق بائن عنه, لا يقوم به كلام وكذلك رضاه, وغضبه, وفرحه, ومجيئه, وإتيانه, ونزوله وغير ذلك, هو مخلوق منفصل عنه, لا يتصف الرب بشيء يقوم به عندهم.

وإذا قالوا هذه الأمور من صفات الفعل: فمعناه أنها منفصلة عن الله بائنة, وهي مضافة إليه, لا أنها صفات قائمة به.

ولهذا يقول كثير منهم: إن هذه آيات الإضافات, وأحاديث الإضافات وينكرون على من يقول: آيات الصفات وأحاديث الصفات.

وإما أن يجعلوا جميع هذه المعاني قديمة أزلية, ويقولون: نزوله ومجيئه, وإتيانه, وفرحه, وغضبه, ورضاه ونحو ذلك, قديم أزلي, كما يقولون: إن القرآن قديم أزلي. ثم منهم من يجعله معنى واحدا, ومنهم من يجعله حرفا, أو حروفا وأصواتا قديمة أزلية, مع كونه مرتبا في نفسه, ويقولون: فرق بين ترتيب وجوده وترتيب ماهيته" (١).

أما الصفات التي أجمع الأشاعرة على إثباتها فهي صفات المعاني السبع: الحياة, والعلم, والقدرة, والإرادة, والسمع, والبصر, والكلام.

وأثبتوا هذه الصفات, لأن العقل دل عليها دون غيرها.

ولما كانت الشبهة الرئيسة للأشاعرة في نفي الصفات الاختيارية عن الله عز وجل هي شبهة حلول الحوادث بذات الله عز وجل, ورأوا أن العقل بزعمهم يدل على ثبوت سبع صفات فقط, وجدوا أن هذه الصفات- ما عدا صفة الحياة – يلزم من إثباتها حلول الحوادث بذات الله عز وجل فادعوا بأنهم وجدوا الحل لهذه المعضلة بأن قالوا بأزلية هذه الصفات, وأنها لا زمة لذات الله عز وجل أزلا وأبدا, ولا يتجدد لله عند وجود هذه المخلوقات نعت ولا صفة وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم, وبين القدرة والمقدور وهكذا في بقية الصفات

المصدر:النفي في باب صفات الله عز وجل بين أهل السنة والجماعة والمعطلة لأرزقي سعيداني – ص ٦٢٩


(١) ((شرح حديث النزول)) ص: (٢٢٥ - ٢٢٧) , وانظر ((مجموع الفتاوى) (٦/ ٥١ - ٥٢، ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>