للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إن الافتراق غالبا يكون بعد العلم بالبينات كما قال تعالى إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران: ١٩] وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران: ١٠٥].٣ - إن الافتراق يؤدي إلى الهلاك لصاحبه ومن يتبعه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا, وفي رواية: فأَهلَكُوا)) (١) - بفتح اللام وفي رواية بضم أوله وكسر اللام - وأما الاختلاف لا يوصل صاحبه إلى التهلكة لكونه لم يقصد الفرقة وإنما حصل ذلك لسوء فهم أو تأويل، أو جهل, قال تعالى: فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:٢١٣]، وقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ [النحل:٦٤].٤ - إن الاختلاف قد يكون عن اجتهاد وعن حسن نية وقد يؤجر المخطئ، بينما الافتراق لا يكون عن حسن نية، وصاحبه لا يؤجر بل هو مذموم وآثم على كل حال. لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد)) (٢).٥ - إن من الاختلاف ما لا يصل إلى حد الافتراق ولا التنازع في الدين، يقول الشاطبي: ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين، ولم يتفرقوا ولا صاروا شيعاً لأنهم لم يفارقوا الدين وإنما اختلفوا فيما أذن هم من اجتهاد في الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصاً (٣).أما الافتراق فيؤدي إلى التنازع والقتال والتكفير ومن ثم دخول النار, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) (٤).


(١) رواه البخاري (٢٤١٠). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والرواية الأخرى رواها البخاري (٥٠٦٢) بلفظ: (أهلكهم) وليس (أهلكوا).
(٢) رواه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦). من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(٣) ((الاعتصام)) للشاطبي (٢/ ٢٣١ - ٢٣٢).
(٤) رواه ابن ماجه (٣٩٩٣)، وأحمد (٣/ ١٢٠) (١٢٢٢٩)، وأبو يعلى (٧/ ٣٢)، كلهم بلفظ: (ثنتين وسبعين فرقة)، والطبراني في ((الأوسط)) (٨/ ٢٢) واللفظ له. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال العراقي في ((الباعث على الخلاص)) (١٦): إسناده صحيح, وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (١/ ٢٧): إسناده جيد قوي على شرط الصحيح. وقال السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (٢/ ٥٦٩): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). والحديث روى شطره الأول أبو داود (٤٥٩٦)، والترمذي (٢٦٤٠) وابن ماجه (٣٩٩١)، وأحمد (٢/ ٣٣٢) (٨٣٧٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)) والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح. والحديث روي أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه بلفظ: ((وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي)) رواه الترمذي (٢٦٤١) وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه .. وقال البغوي في ((شرح السنة)) (١/ ١٨٥): ثابت. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بلفظ: ((وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)). رواه أبو داود (٤٥٩٧)، وأحمد (٤/ ١٠٢) (١٦٩٧٩)، والطبراني (١٩/ ٣٧٦)، والحاكم (١/ ٢١٨). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الحاكم: هذه أسانيد تقام به الحجة في تصحيح هذا الحديث. وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٤٠٠) – كما أشار لذلك في المقدمة -. وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده حسن وحديث افتراق الأمة منه صحيح بشواهده. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)). وعوف بن مالك رضي الله عنه بلفظ: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسبعون في النار)). رواه ابن ماجه (٣٩٩٢)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (٦٣). قال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (١/ ٢٧): إسناده لا بأس به. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>