فعلم أن هذه المباحثة إنما جرت بين إبراهيم عليه السلام، وقومه؛ لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد، لا لأجل أن يطلب إبراهيم عليه السلام المعرفة لنفسه."ولهذا قال الخليل في تمام الكلام: إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ٧٨ – ٧٩]. فقوله: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: يبين أنه إنما يعبد الله وحده، فله يوجه وجهه؛ فإنه إذا توجه قصده إليه، تبع قصده وجهه؛ فالوجه موجه حيث توجه القلب؛ فصار قلبه ووجهه متوجهاً إلى الله تعالى ولهذا قال: وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لم يذكر أنه أقر بوجود الصانع؛ فإن هذا كان معلوماً عند قومه، لم يكونوا ينازعونه في وجود فاطر السموات والأرض، وإنما كان النزاع في عبادة غير الله واتخاذه رباً"(١).
"فعلم مما تقدم أن الخليل عليه السلام لم يكن مستدلاً بدليل الأعراض وحدوث الأجسام على إثبات الصانع، بل كان محاججاً لقومه، منكراً عليهم عبادتهم الكواكب من دون الله تعالى.
المصدر:الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا – ٢/ ٤٣١
(١) ((رسالة في الصفات الاختيارية لابن تيمية – ضمن جامع الرسائل)) (٢/ ٥٢، ٥٣).