للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن أن يضاف إلى البلبلة الفكرية التي سببت الانحلال الاجتماعي سبب آخر وهو أن الحركة الباطنية استغلت حالة الفقر التي كان يعيشها بعض أفراد المجتمع الإسلامي فعملت على إشباع شهواتهم الجنسية والمالية وخاصة لذوي النفوس المريضة منهم مما سهل الأمر على الحركة الباطنية أن تستغلهم أبشع استغلال وهذا ما هو واضح عند القرامطة والحشاشين على وجه الخصوصوعند ظهور الدولة العبيدية في المغرب وامتدادها بعد ذلك إلى مصر (بلغ التعفن الاجتماعي أقصى مداه حيث عمد الشيعة إلى إنزال الويلات بالناس فجاروا عليهم جورا شديدا وتعللوا على أموال الناس من كل جهة وقد أصاب الناس على ذلك طاعون شمال إفريقيا وما والاها إلى مصر سنة ٣٠٧هـ نشأ قطعا عما يعاني الناس من انهيار اجتماعي زاده الفقر استفحالا والمجاعة تعفنا (١).

أما الباطنية من الحشاشين فقد أحدثوا انهيارا اجتماعيا لا مثيل له تدل خطورته على الوضع الذي وصل إليه الناس في ذلك الوقت حيث صار هؤلاء مصدرا للخوف والقلق بين جميع طبقات الناس فصار الأخ لا يثق بأخيه والأب يخاف من ابنه والأمير لا يعلم المخلص من أتباعه وحراسه لخوفهم أن يكون واحدا منهم ممن سلب الباطنية عقولهم بأفكارها المريبة البراقة.

ومن البديهي أن تحدث هذه الأمور مجتمعة شرخا اجتماعيا كانت له انعكاساته على الوضع السياسي للعالم الإسلامي وهو يقاوم الأعداء الخارجيين من الصليبيين والتتار فكانت الباطنية عدوا داخليا يوالي الطعنات المخيفة من الخلف مما أضعف المسلمين وأحدث ثغرة عميقة في صفوفهم.

ومن الأمور الخطيرة أيضا التي عملت الباطنية على تحقيقها في المجتمع الإسلامي وهو يواجه الصليبيين والتتار محاولتها قتل عدد كبير من خيرة العلماء والقادة والأمراء في محاولة منها لإبعاد هؤلاء عن طريقها حتى يفسح المجال لها لتنفيذ أغراضها الجهنمية في المجتمع الإسلامي فكان فَقْدُ أمثال هؤلاء من المجتمع عاملا خطيرا في ارتباك المجتمع الإسلامي وتخلخله. من ذلك أنهم قتلوا في همذان قاضي القضاة زين الإسلام أبا سعد محمد بن نصر الهروي أثناء عودته من خراسان إلى بغداد ولم يجرؤ شخص على أن يتبعهم للخوف منهم وفي سنة ١١٢٦هـ قتلوا البرسقي أتابك الموصل وفي سنة ١١٢٧هـ قتلوا المعين وزير السلطان سنجر بن ملكشاه صاحب خراسان وفي سنة ١١٣٠هـ أرسل الباطنية من مركزهم في آلموت اثنين من الخراسانية لقتل تاج الملوك بوري أتابك دمشق ويطول بنا الأمر لو حاولنا تسجيل كافة الاغتيالات الباطنية ولكن يكفي أن نختم هذه القائمة بالإشارة إلى أنهم حاولوا أكثر من مرة قتل صلاح الدين الأيوبي ولكن الله سلمه (٢).

هذا غيض من فيض للأثر الاجتماعي الذي أوقعته في القرون الماضية أما حديثا فيكفي أن نجمل بأمر خطير تعمل على تحقيقه الباطنية بجميع فرقها وهو امتدادهم البشري إلى كافة المدن والقرى المجاورة لمعاقلهم في محاولة منهم للسيطرة على أكبر قدر من أراضي المدن والقرى التي يقطنها المسلمون ويمكن أن نلاحظ هذا الزحف البشري بوضوح في سوريا فقد ترك مئات الألوف من النصيرية جبالهم واستوطنوا دمشق وحلب وحماة وحمص مما أحدث شرخا عميقا في مجتمعات هذه المدن وخاصة بعد أن أصبح هؤلاء الباطنيون المسيطرون على مقدرات هذه المدن سياسيا وماديا.

وهكذا ظلت الباطنية قديما وحديثا مصدرا خطيرا للانحلال السياسي والاجتماعي بأفكارها المسمومة وأعمالها الإرهابية ومن البديهي أن يكون لهذا الخطر الباطني في المستقبل أثر لا يجوز الاستهانة به.

المصدر:الحركات الباطنية في العالم الإسلامي لمحمد أحمد الخطيب – ص٤٤١


(١) ((الصراع المذهبي في أفريقيا)) عبدالعزيز المجذوب (ص: ٢٣٧).
(٢) ((الحركة الصليبية)) سعيد عاشور (١/ ٥٥٩ - ٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>