وكم أتمنى أن يترفع الفقهاء والمجتهدون عن أموال الشيعة ولا يرتضون لأنفسهم أن يكونوا عالة عليهم بذريعةٍ ما أنزل الله بها من سلطان، إن بعض علماء الشيعة يدافع عن أخذهم الخمس من أموال الشيعة بأنها أموال تصرف على المدارس الدينية والحوزات العلمية والشؤون المذهبية الأخرى, ولكن المناقشة ليست في أن تلك الأموال تصرف كيف ولماذا؟ بل المناقشة أصولية وواقعية ومذهبية, وهي أن تلك الأموال تؤخذ زوراً وبطلاناً من الناس، وحتى إذا صرفت في سبيل الله فإنها غير شرعية لا يجوز التصرف فيها، لقد كان باستطاعة فقهاء الشيعة أن يبنوا أنفسهم على الاكتفاء الذاتي وأن يكون الفقيه معتمداً على نفسه شأنه شأن أرباب الصناعات الأخرى, كما أن باستطاعتهم الحصول على أموال لتنمية العلم والعلماء, ولكن باسم التبرعات والهبات, لا باسم الواجب الشرعي وأوامر السماء، وعندما أكتب هذه السطور أعرف مجتهداً من مجتهدي الشيعة لا زال على قيد الحياة وقد ادَّخر من الخمس ما يجعله زميلاً لِ " قارون " الغابر أو القوارين المعاصرين، وهناك مجتهد شيعي في " إيران " قتل قبل سنوات معدودة كان قد أودع باسمه في المصارف مبلغاً يعادل عشرين مليون دولاراً أخذها من الناس طوعاً أو كرهاً باسم الخمس والحقوق الشرعية وبعد التي واللتيا ومحاكمات كثيرة استطاعت الحكومة الإيرانية وضع اليد على تلك الأموال كي لا يقتسمها الورثة فيما بينهم، هذه صورة محزنة من آثار بدعة الخمس التي تبناها فقهاء الشيعة، إن الزعامات المذهبية الشيعية استطاعت البقاء مستقلة عن السلطات الحاكمة حتى في البلاد الشيعية بسبب هذا الرصيد الذي لا ينضب فما دامت الزعامة المذهبية الشيعية ترى نفسها شريكة مع القواعد الشيعية في أرباح مكاسبها في أي زمان ومكان, فإن الاستقرار الفكري لا يجد إلى المجتمع الشيعي سبيلاً والسبب واضح ومعروف, لأن هذه الزعامات بسبب هذه الميزانيات الضخمة التي لا يحتاج الحصول عليها إلى الجباة وعمال الضرائب بل تأتيها طائعة مخلصة استطاعت أن تجعل من زعامة الشيعة صرحاً سياسياً يحرك الشيعة في الاتجاه الذي تريد، فلذلك نرى أن تلك الزعامات استخدمت الشيعة في كثير من أغراضها السياسية والاجتماعية عبر التاريخ.
وفي " إيران " القطر الشيعي كانت لنتائج هذا التفاعل بين الشيعة وزعمائها الدينيين آثار سيئة لا تعد ولا تحصى، ولقد وصلت الأمور إلى أبعد ما يتصور من سوء عندما أضيفت إلى بدعة الخمس في أرباح المكاسب, بدعة ولاية الفقيه، وقبل أن نبحث ولاية الفقيه بصورة مسهبة نود أن نضيف هنا لنكون أمناء على التاريخ وصادقين في رسالتنا, هو أن بعض الزعامات الشيعية خدم الفكر الإسلامي وخدم قضايا وطنية في محاربة الاستعمار أو الاستبداد الحاكم مرات ومرات ولكننا عندما نقارن بين استخدام الأكثرية نفوذها في سبيل المصالح الخاصة ونضعها في ميزان لنرى أن كفة المصالح الخاصة تتأرجح على المصالح العامة بصورة تدهش المرء وتوحي إليه بالأسى والحزن.