للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل وجه استحالته أنه إن كان سمعه وبصره حادثين كان محلاً للحوادث، وهو محال، وإن كانا قديمين، فكيف يسمع صوتاً معدوماً؟ وكيف يرى العالم في الأزل؟ والعالم معدوم، والمعدوم لا يرى. فالجواب: أن يقال أنتم معشر المعتزلة تسلمون أن الله تعالى يعلم الحادثات، فهو يعلم الآن أن العالم كان موجودا قبل هذا الوقت، لكن كيف علم في الأزل أنه كان موجوداً، وهو بعد لم يكن موجوداً؟ فإن جاز إثبات صفة في الأزل تكون عند وجود العالم، علماً بأنه كائن، وقبله بأنه سيكون، وبعده بأنه كان، وهو لا يتغير، عبر عن هذه الصفة بالعلم والعالمية، جاز ذلك في السمع، والسمعية، والبصر والبصرية (١).

٣ - يلزم من تأويل صفتي السمع والبصر بالعلم، تسوية الله تعالى بالأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء، ولا يراها، والأصم الذي يعلم أن في السماء أصواتاً، ولا يسمعها، ولا شك أن في تسوية الله تعالى بالأعمى والأصم تنقص له تعالى، وهو باطل، فما يؤدي إليه مثله من تأويل لهاتين الصفتين بالعلم.٤ - كذلك رد الأشعري على من أول السمع والبصر بالعلم، فقال: "وزعمت المعتزلة أن قوله تعالى: سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:١٣٤] أن معناه عليم ... قيل لهم: فإذا قال تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: ٤٦]. فمعنى ذلك - عندكم - علم. فإن قالوا: نعم. قيل لهم: فقد وجب عليكم أن تقولوا معنى قوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: ٤٦]. أعلم وأعلم إذا كان معنى ذلك العلم" (٢). وهذا باطل، فما يؤدي إليه من تأويل السمع والبصر بالعلم مثله. ويقول في موضع آخر: " .... فيقال للمعتزلة: إذا زعمتم أن معنى "سميع بصير" عالم، فهلا زعمتم أن معنى قادر معنى عالم؟ ... فإن قالوا: هذا يوجب أن يكون كل معلوم مقدوراً. قيل لهم: ولو كان معنى سَمِيعًا بَصِيرًا معنى عالم؛ لكان كل معلوم مسموعاً، وإذا لم يجز ذلك، بطل قولكم" (٣).٥ - يقول البغدادي: "وزعم النظام والكعبي أن كون الإله سامعاً؛ إنما يفيد كونه عالماً بالمسموع .... وهذا باطل، لأن الواحد منا يسمع الصوت فيكون عالماً به في حال السماع، ثم يكون عالماً به في الحال الثانية، ولا يكون سامعاً فصح بهذا أن السمع للشيء غير العلم به ... " (٤).

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص ١٠٧


(١) ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص١٠٩، ١١٠)، بتصرف.
(٢) ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص١٥٧)، بتصرف.
(٣) ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص١٥٨، ١٥٩)، بتصرف.
(٤) ((أصول الدين)) (ص٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>