للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذه النقول يتضح لنا جلياً أن لفظ "أهل السنة" معروف عند السلف متداول بينهم، أطلقوه في مقابل "أهل البدع" وألّفوا في بيان عقيدة أهل السنة، وميزوا بينهم وبين أهل البدع، كما فعل الإمام أحمد والإمام الطحاوي وغيرهم. وفي هذا رد على من زعم أن لقب "أهل السنة" أول ما أطلق على الأشاعرة، كما زعم ذلك الأستاذ مصطفى الشكعة إذ يقول في كتابه (إسلام بلا مذاهب): " ... وهكذا نجد أن لقب "أهل السنة" أطلق أول ما أطلق على جماعة الأشاعرة ومن نحا نحوهم، ثم اتسعت دائرته فشملت أصحاب المذاهب والفقهاء من أمثال الشافعي ومالك وأبي حنيفة وابن حنبل والأوزاعي وأهل الرأي والقياس ... " (١).

ولا أدري كيف يستقيم هذا القول، وهؤلاء أئمة قد توفوا قبل زمن الأشعري؟ ثم زعم في موضع آخر من كتابه أن هذه التسمية لم تعرف إلا في القرن السابع الهجري قال: " ... وذلك أن تسمية جمهرة المسلمين بأهل السنة تسمية متأخرة يرجع تاريخها إلى حوالي القرن السابع الهجري؛ أي: بعد عصر آخر الأئمة المشهورين وهو ابن حنبل بحوالي أربعة قرون" (٢).

على أنه يتناقض فيعترف في نفس كتابه هذا، بوجود من يعرف بـ"أهل السنة" قبل أن يخلق الله الأشعري والأشاعرة، إذ يقول: "إن المأمون وهو على أهبة الخروج إلى طرسوس على حدود بلاد الروم سنة ٢١٨هـ. بعث إلى إسحاق بن إبراهيم عامله على بغداد كتاباً يأمره فيه أن يستحضر علماء بغداد وقضائها، وأن يمتحنهم في موضع خلق القرآن. قال: وكتاب المأمون هذا من أشنع الكتب التي حوت سباً وتطاولاً على علماء المسلمين من أهل السنة ... " (٣) اهـ.

إذن كان هناك أهل سنة يدافعون عن عقيدتهم في القرآن، ويردون على من قال بخلقه، يعرفون بأنهم "أهل السنة".

فكيف يقال: أن هذا اللقب أطلق أول ما أطلق على جماعة الأشاعرة؟ أم كيف يقال: أن هذه التسمية لم تعرف إلا في القرن السابع الهجري؟

على أن الأشاعرة السابق منهم واللاحق لم يدعوا لأنفسهم ما ادعاه لهم الأستاذ الشكعة. فهذا الإمام البيهقي "٥٧١هـ" يقول عن الإمام الأشعري: "فهذا سبب رجوعه عن مذاهب المعتزلة إلى مذاهب أهل السنة والجماعة" (٤)، فإذاً أهل السنة والجماعة موجودون معروفون بهذا اللقب والأشعري بعد أن ترك الاعتزال رجع إلى مذهبهم، على تفصيل في أحوال الأشعري ليس هذا مكان ذكره.

ويقول د. علي سامي النشار من الأشاعرة المعاصرين:" ... لقد شهد القرن الثالث حركة كلامية كبرى حمل لواءها "أهل الحديث" ... ثم ذكر كتب: خلق أفعال العباد، والاختلاف في اللفظ، وكتب الدارمي، قال: وتبين هذه الكتب ظهور الاتجاه الكلامي لدى أصحاب الحديث، وأن أصحاب الحديث وجدوا كفرقة مقابلة للجهمية وللمعتزلة، وللخوارج، وأنهم سموا باسم "أهل الحديث وأهل السنة" (٥).

ويقول الأستاذ أحمد أمين: "واسم أهل السنة كان يطلق على جماعة من قبل الأشعري والماتريدي، وقد حكى لنا أن جماعة كان يطلق عليها أهل السنة، وكانت تناهض المعتزلة قبل الأشعري. ولما جاء الأشعري وتعلم على المعتزلة اطلع أيضاً على مذاهب أهل السنة، وتردد كثيراً في أي الفريقين أصح، ثم أعلن انضمامه إلى أهل السنة وخروجه على المعتزلة" (٦).


(١) ((إسلام بلا مذاهب)) (ص: ٤٩٦)، ط. شركة ومطبعة مصطفى الحلبي بمصر.
(٢) ((إسلام بلا مذاهب)) (ص: ٣٨١)، ط. شركة ومطبعة مصطفى الحلبي بمصر.
(٣) ((إسلام بلا مذاهب)) (ص: ٤٧٢)، ط. شركة ومطبعة مصطفى الحلبي بمصر.
(٤) انظر: ابن عساكر أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، ((تبيين كذب المفتري))، "نشر دار الفكر، ط. الثانية ١٣٩٩هـ"، (ص: ٤٣).
(٥) انظر: كتابه ((نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام)) (١/ ٢٦١).
(٦) انظر كتابه: ((ظهر الإسلام)) (٤/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>