للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: "أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد"، أو "أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله تعالى لا يوصف بما دلت عليه حقيقة"، وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت. ولا يقال حينئذ: "بلا كيف" لأن نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" (١).وقال: (فقولهم رضي الله عنهم: "أمروها كما جاءت" ردٌ على المعطلة، وقولهم: "بلا كيف" ردٌ على الممثلة) (٢).

قلت: لقد تبين من خلال نصوص أئمة السنة أنهم كانوا يقصدون بنفي التفسير نفي تفسيرِ الجهمية وتحريفهم وتعطيلهم للصفات ونصوصها، ولم يكن قصدهم أنها لا تعلم معانيها ولا يعرف المراد منها.

فحمل كلام الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف على الاصطلاحات المبتدعة تحريفٌ محضٌ ويكون من قبيل توجيه قول القائل بما لا يرضى به قائله: فمن حمل كلام السلف على التفويض المفتعل المختلق المصنوع الموضوع المبتدع فقد حَرَّفَ كلامهم لأنه بمثابة شهادة الزور، لأنه تأويل كلام متكلم بما لا يطابق مراده. قال الإمام ابن القيم: "فإذا قيل معنى اللفظ كذا - كان إخباراً بالذي عناه، المتكلم، فإن لم يكن هذا الخبر مطابقاً كان كذباً على المتكلم" (٣).

قلت: هذه حقيقة واقعة حتى اعترف بها الكوثري حيث قال:

وأين التجليات التي اصطلح عليها الاتحادية من تخاطب العرب ومن تفاهم السلف والخلف بهذا اللسان العربي المبين؟.

حتى يكون حمل النصوص، والآثار على التجليات المصطلح عليها فيما بعد عهد التنزيل بدهور - استعمالاً لها في حقائقها؟.ومن زعم ذلك فقد زاغ عن منهج الكتاب والسنة، وتنكب سبيل السلف الصالح ومسلك أئمة أصول الدين، ونابذ لغة التخاطب، وهجر طريقة أهل النقد في الجرح، والتعديل، والتقويم، والتعليل ... " (٤).

قلت: هذا الكلام في غاية الدقة والإتقان، ولكن ليت الكوثري والكوثرية والماتريدية يطبقونه مطرداً ويستقيمون على منهج السلف الصالح، ولكنهم خالفوه في مواضع لا تحصى، فقد ادعوا على السلف التفويض وحملوا نصوصهم عليه فحرفوها تحريفاً معنوياً وشهدوا عليهم زورا؛ وهكذا ترى الكوثري - حامل راية الخلف، والطاعن في السلف - يحمل نصوص الإمام أبي حنيفة والإمام أبي يوسف على الكلام النفسي (٥).وهكذا يتلاعب بنصوص الإمام أحمد فيحملها على الكلام النفسي (٦) نضالاً عن بدعته الكلامية الجهمية الماتريدية.

مع أن القول ببدعة الكلام النفسي قول مفتعل موضوع مصنوع متقول على الله ورسوله، وسلف هذه الأمة من أئمة السنة.

وأول من أحدثه هو ابن كلاب.

فكيف تحمل نصوص السلف على شيء لم يكن موجوداً في عهدهم؟! فحمل نصوص الوحي وكلام السلف على التفويض ونحوه تحريف؛

فلنا أن نقلب على الكوثري كلامه فنقول:

إن القول بالكلام النفسي، ونسبته إلى السلف وحمل نصوصهم عليه، وكذا القول بالتفويض ونسبته إلى السلف وحمل نصوصهم عليه بعيد من تخاطب العرب، وتفاهم السلف بهذا اللسان العربي المبين، فكيف يصح حمل النصوص والآثار على هذه المصطلحات المبتدعة الكلامية المحدثة بعد عهد التنزيل بدهور؟.

فمن زعم ذلك فقد زاغ عن منهج الكتاب والسنة، وتنكب سبيل السلف الصالح، ونابذ لغة التخاطب، وهجر طريقة أهل النقد في الجرح والتعديل، والتقويم والتعليل.

وفي هذا كفاية لمن عنده طلب الحق والإنصاف والدراية، وأما من تعود: أن يقول: "عنزة وإن طارت" فلا دواء لدائه.

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٢/ ١٣٣ - ١٦٨


(١) ((الحموية)) (ص ٤٦)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٤١ - ٤٢).
(٢) ((الحموية)) (ص ٤٤)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٩)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (١/ ٤٤٢).
(٣) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢٠٢).
(٤) ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات للبيهقي)) (ص ٤٥٥).
(٥) انظر ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات للبيهقي)) (ص ٢٥١).
(٦) ((تبديد الظلام)) (ص ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>