للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: "ففسروها على غير ما فسر أهل العلم" صريح بأن أئمة الإسلام قد فسروا نصوص الصفات على وجهها، وأن تفسير الجهمية تحريف لها فكلام هؤلاء الأئمة موافق لقولهم: "أمروها بلا كيف" وقولهم: "يؤمن بها ولا يقال: كيف".

فأئمة الإسلام على إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، وكلام هؤلاء الأئمة في جميع الصفات، في السمع والبصر، وغيرها بنص الإمام الترمذي.

فهل يظن الماتريدية - بما فيهم الكوثرية - أن أئمة الإسلام كانوا يفوضون في صفتي "السمع" و"البصر" أيضاً؟!.

وهل الماتريدية يفوضون في هاتين الصفتين؟ هكذا يحصد الزوبعة من زرع الريح.

فنصوص هؤلاء الأئمة دليل قاطع على أنهم يريدون بنفي "التفسير"، وبنفي "المعنى"، وبقولهم: أمروها، كما جاءت، ونحوه من العبارات - تفسيرات الجهمية وتحريفاتهم ولا يقصدون نفي معنى النص.

وقد ظهر من نص الإمام الترمذي ومما نقله عن أئمة الإسلام: أن الماتريدية تابعوا الجهمية في نفي الصفة "اليد"، وتأويلها بالقوة، والقدرة كما سيأتي.

واحتجوا بشبهة الجهمية من أن إثباتها تشبيه ما تقدم.

فهم في هذا خارجون على أهل السنة وليسوا منهم.

بل زاد الماتريدية بدعة أخرى على بدعة التعطيل، وهي بدعة التفويض وافترائه على أئمة الإسلام شاعرين أم غير شاعرين.

م- الإمام الطحاوي (٣٢١هـ) وهو من كبار أئمة الحنفية، وعقيدته هي عقيدة الأئمة الثلاثة: "أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد" رحمهم الله باعتراف الماتريدية والكوثري".

يقول الإمام الطحاوي: "والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة، ولا كيفية .. ، كما نطق به كتاب ربنا ... ؛ وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كما قال: ومعناه على ما أراد. لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا .. " (١).

قلت: فهل كان الإمام الطحاوي وأئمة الحنفية الثلاثة مفوضين في "الرؤية"؟ وهل الماتريدية يفوضون فيها معنى وكيفية؟.

الحاصل: أن هذه الآثار التي نقلت عن السلف لا حجة للمفوضة فيها، بل هي على عكس مطلوبهم، لأن قصدهم نفي تفسيرات الجهمية وتحريفاتهم، وليس قصدهم أنها مجرد ألفاظ تتلى بدون فهم المعاني.

قال شيخ الإسلام:

(فقول ربيعة ومالك: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب" - موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف.

فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا علم حقيقة الصفة؛

ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم معناه، على ما يليق بالله لما قالوا: "أمروها كما جاءت بلا كيف".

فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى،

وإنما يحتاج إلى نفي الكيفية إذا أثبت الصفات.

وأيضا فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول: "بلا كيف".

فمن قال: "إن الله ليس على العرش" لا يحتاج أن يقول: "بلا كيف" فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: "بلا كيف".

وأيضاً فقولهم: "أمروها كما جاءت" يقتضى إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت بألفاظ دالة على معان؛


(١) ((العقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي العز)) (ص ٢٠٣ - ٢٠٤)، و ((بشرح الغنيمي الميداني الحنفي)) (ص ٦٨ - ٧١)، و ((بحواشي ابن مانع)) (ص ٩)، و ((بتعليقات الألباني)) (ص ٢٦ - ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>